امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 5 -صفحه : 636/ 551
نمايش فراداده

تستكمل البحث الذي تناولته الآياتالمتقدمة، و نظير ذلك كثير في القرآن.

فالآية الأولى من هذه الآيات تقول: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْآمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِوَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لايَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُلا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

«السقاية» لها معنى مصدري و هو إيصالالماء للآخرين، و كما تعني المكيال، كماجاء في الآية 70 من سورة يوسف فَلَمَّاجَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَالسِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ و تعنيالإناء الكبير أو الحوض الذي يصب فيهالماء.

و كان في المسجد الحرام بين بئر زمزم والكعبة محل يوضع فيه الماء يدعى بـ «سقايةالعباس» و كان معروفا آنئذ، و يبدو أنّهناك إناء كبيرا فيه ماء يستقى منه الحاجيومئذ.

و يحدثنا التأريخ أنّ منصب «سقاية الحاج»قبل الإسلام كان من أهل المناصب، و كانيضاهي منصب سدانة الكعبة، و كانت حاجةالحاج الماسة في أيّام الحج إلى الماء فيتلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة «1»التي يقل فيها الماء، و جوّها حار أغلبأيّام السنة، و كانت هذه الحاجة الماسةتولي موضوع «سقاية الحاج» أهميّة خاصّة، ومن كان مشرفا على السقاية كان يتمتعبمنزلة اجتماعية نادرة، لأنّه كان يقدمللحاج خدمة حياتية.

و كذلك «عمارة المسجد الحرام» أو سدانته ورعايته، كان لها أهميته الخاصّة، لأنّالمسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كانيعدّ مركزا دينيا، فكان المتصدي لعمارةالمسجد أو سدانته محترما.

و مع كل ذلك فإنّ القرآن يصّرح بأنّالإيمان باللّه و باليوم الآخر و الجهادفي سبيل اللّه أفضل من جميع تلك الأعمال وأشرف.

(1) «المرمضة» مشتقة من «الإرماض» أي شديدةالحر، و الأرض الرمضاء كذلك: شدية الحر.