طريق قضاء الشهوات و المعصية و الفساد والانحراف، فإنّكم قد تمتعتم بنصيبكمكهؤلاء: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْفَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَااسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْبِخَلاقِهِمْ و الخلاق في اللغة بمعنىالنصيب و الحصة، يقول الراغب في مفرداته:
أنّها مأخوذة من مادة (خلق)، و يحتمل- علىهذا- أن الإنسان قد يستفيد و يتمتع بنصيبهفي هذه الحياة الدنيا بما يناسب خلقه وخصاله.
ثمّ تقول بعد ذلك: إنّكم كمن مضى منأمثالكم قد أوغلتم و سلكتم مسلك الاستهزاءو السخرية، تماما كهؤلاء: وَ خُضْتُمْكَالَّذِي خاضُوا «1».
ثمّ تبيّن الآية عاقبة أعمال المنافقينالماضين لتحذر المنافقين المعاصرين للنبيصلّى الله عليه وآله وسلّم و كل منافقيالعالم في جملتين:
الأولى: إن كل أعمال المنافقين قد ذهبتأدراج الرياح، في الدنيا و الآخرة، و لميحصلوا على أي نتيجة حسنة، فقالت:حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.
الثّانية: إنّ هؤلاء هم الخاسرونالحقيقيون بما عملوه من الأعمال السيئة:
وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
إن هؤلاء المنافقين يمكن أن يستفيدوا ويحققوا بعض المكاسب و الامتيازات من أعمالالنفاق، لكن ما يحصلون عليه مؤقت و محدود،فإنّنا إذا أمعنا النظر فسنرى أن هؤلاء لميجنوا من سلوك هذا الطريق شيئا، لا فيالدنيا و لا في الآخرة، كما يعكس التاريخهذه الحقيقة، و يبيّن كيف أنّ المنافقينعلى مرّ الدهور و الأيّام قد توالت عليهمالنكبات و أزرت بهم و حكمت عليهم بالفناء والزوال، كما أن ممّا لا شك فيها أنّ هذهالعاقبة الدنيوية تبيّن المصير الذيينتظرهم في الآخرة.
(1) إن جملة كَالَّذِي خاضُوا في الواقعبمعنى: كالذي خاضوا فيه، و بعبارة أخرى،فإنّها تشبيه لفعل منافقي اليوم بفعلالمنافقين السابقين، كما شبهت الجملةالسابقة استفادة هؤلاء من النعم و المواهبالإلهية في طريق الشهوات كالسابقين منهم،و على هذا فإنّ هذا التشبيه ليس تشبيه شخصبشخص لنضطر إلى أن نجعل (الذي) بمعنى(الذين) أي المفرد بمعنى الجمع، بل هوتشبيه عمل بعمل.