المسلمين يقال له: «مجمع بن حارثة» أو«مجمع بن جارية» و أوكلوا له إمامة المسجد.
إلّا أنّ الوحي الإلهي أزاح الستار عن عملهؤلاء، و ربّما لم يأمر النّبي صلّى اللهعليه وآله وسلّم بشيء قبل ذهابه إلى تبوكليواجه هؤلاء بكل شدّة، من أجل أن يتّضحأمرهم أكثر من جهة، و لئلا ينشغل فكريا وهو في مسيرة إلى تبوك بما يمكن أن يحدثفيما لو أصدر الأمر.
و كيف كان، فإنّ النّبي صلّى الله عليهوآله وسلّم لم يكتف بعدم الصلاة في المسجدو حسب، بل إنّه- كما قلنا- أمر بعضالمسلمين- و هم مالك بن دخشم، و معنى بنعدي، و عامر بن سكر أو عاصم بن عدي- أنيحرقوا المسجد و يهدموه، فنفذ هؤلاء ماأمروا به، فعمدوا إلى سقف المسجد فحرّقوه،ثمّ هدموا الجدران، و أخيرا حولوه إلى محللجمع الفضلات و القاذورات «1».
أشارت الآيات السابقة إلى وضع مجاميعمختلفة من المخالفين، و تعرّف الآيات التينبحثها مجموعة أخرى منهم، المجموعة التيدخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة و ذكية، إلّاأن اللطف الإلهي أدرك المسلمين، و بددأحلام المنافقين بإبطال مكرهم و إحباطخطتهم.
فالآية الأولى تقول: وَ الَّذِينَاتَّخَذُوا مَسْجِداً «2» و أخفوا أهدافهمالشريرة
(1) مجمع البيان، و تفسير أبي الفتوحالرازي، و تفسير المنار، و تفسير الميزان،و تفسير نور الثقلين، و كتب أخرى. (2) بالرغم من أنّ المفسّرين قد أبدوا وجهات نظر مختلفة من الناحية الأدبية حولتركيب هذه الجملة، إلّا أنّ الظاهر هو أنهذه الجملة معطوفة على الجمل السابقة التيوردت في شأن المنافقين، و تقديرها هكذا: «ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ...».