امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 6 -صفحه : 584/ 235
نمايش فراداده

التّفسير

العقاب بعد البيان

إن الآية الأولى تشير إلى قانون كلّي وعام، يؤيده العقل أيضا، و هو أنّ اللّهسبحانه و تعالى ما دام لم يبيّن حكما، و لميصل شي‏ء من الشرع حوله، فإنّه تعالى سوفلا يحاسب عليه أحدا، و بتعبير آخر: فإنّالتكليف و المسؤولية تقع دائما بعد بيانالأحكام، و هذا هو الذي يعبر عنه في علمالأصول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان).

و لذلك فأوّل ما تطالعنا به الآية قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماًبَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَلَهُمْ ما يَتَّقُونَ.

إنّ المقصود من (يضل)- في الأصل الإضلال والتضييع، أو الحكم بالإضلال- كما احتملهبعض المفسّرين (كما يقال في التعديل والتفسيق، أي الحكم بعدالة الشخص و فسقه)«1» أو بمعنى الإضلال من طريق الثواب يومالقيامة، و هو في الواقع بمعنى العقاب.

أو أنّ المقصود من «الإضلال» ما قلناهسابقا، و هو سلب نعمة التوفيق، و إيكالالإنسان إلى نفسه، و نتيجة ذلك هو الضياع والحيرة و الانحراف عن طريق الهداية لامحالة، و هذا التعبير إشارة خفية و لطيفةإلى حقيقة ثابتة، و هي أنّ الذّنوب دائماهي مصدر و سبب الضلال و الضياع و الابتعادعن طريق الرشاد «2».

و أخيرا تقول الآية: إِنَّ اللَّهَبِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ أي إن علم اللّهيحتم و يؤكّد على أنّ اللّه سبحانه ما داملم يبيّن الحكم الشرعي لعباده، فإنّه سوفلا يؤاخذهم أو يسألهم عنه.

(1) يتصور البعض أنّ باب (تفعيل) هو الوحيدالذي يأتي أحيانا بمعنى الحكم، في حينيلاحظ ذلك في باب (إفعال) أيضا، كالشعرالمعروف المنقول عن الكميت، حيث يقول فيبيان عشقه و حبّه لآل محمّد صلّى الله عليهوآله وسلّم: و طائفة قد أكفروني بحبّكم.

(2) لمزيد التوضيح حول معنى الهداية والضلال في القرآن، راجع ذيل الآية (26) منسورة البقرة.