امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 6 -صفحه : 584/ 241
نمايش فراداده

التّفسير

الحصار الاجتماعي للمذنبين

تتحدّث هذه الآيات أيضا عن غزوة تبوك، والمسائل و الأحداث التي ترتبط بهذا الحدثالكبير، و ما جرى خلاله.

فتشير الآية الأولى إلى رحمة اللّهاللامتناهية التي شملت النّبي صلّى اللهعليه وآله وسلّم و المهاجرين و الأنصار فياللحظات الحساسة، و تقول: لَقَدْ تابَاللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِالْعُسْرَةِ.

ثمّ تبيّن أن شمول هذه الرحمة الإلهية لهمكان في وقت اشتدت فيه الحوادث و الضغوط والاضطرابات إلى الحد الذي أوشكت أن تزلفيه أقدام بعض المسلمين عن جادة الصواب، (وصمموا على الرجوع من تبوك) فتقول: مِنْبَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍمِنْهُمْ. ثمّ توكّد مرّة أخرى على أناللّه سبحانه قد تاب عليهم، فتقول: ثُمَّتابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌرَحِيمٌ.

و لم تشمل الرحمة الإلهية هذا القسمالكبير الذي شارك في الجهاد فقط، بل شملتحتى الثلاثة الذين تخلفوا عن القتال ومشاركة المجاهدين في ساحة الجهاد: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.

إلّا أنّ اللطف الإلهي لم يشمل هؤلاءالمتخلفين بهذه السهولة، بل عند ما عاشهؤلاء- و هم كعب بن مالك و مرارة بن ربيع وهلال بن أمية، الذين مر شرح حالهم في سببالنزول- مقاطعة اجتماعية شديدة، و قاطعهمكل الناس بالصورة التي تصورها الآية،فتقول: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُالْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ.

بل إنّ صدور هؤلاء امتلأت همّا و غمّابحيث ظنوا أن لا مكان لهم في الوجود،فكأنّه ضاق عليهم وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْأَنْفُسُهُمْ فابتعد أحدهم عن الآخر وقطعوا العلاقة فيما بينهم.

عند ذلك رأوا كل الأبواب مغلقة بوجوههم.فأيقنوا وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَاللَّهِ‏