امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 6 -صفحه : 584/ 398
نمايش فراداده

و مع أنّ بعض المفسّرين اعتبر تعبير نوحهذا أو أمثاله في تاريخ سائر الأنبياءنوعا من الإعجاز، لأنّهم مع عدم امتلاكهمالإمكانيات الظاهرية فإنّهم كانوايهدّدون العدو بالهزيمة، و أعلنوا خبرانتصارهم النهائي، و هذا لا يمكن قبولهإلّا عن طريق الإعجاز، إلّا أنّ هذا على كلحال درس كبير لكل القادة الإسلاميين بأنلا يخافوا و لا ينهاروا أمام عظمة الأعداءو كثرتهم، بل إنّهم باتكالهم على اللّهكانوا يدعون هؤلاء إلى الميدان بكل حزم واقتدار و يستصغرون قوتهم، فكان هذا عاملامهمّا في تقوية معنويات الأتباع والمؤيدين، و تدمير معنويات العدو وانهيارها.

و ذكرت الآية التّالية بيانا آخر عن نوحمن أجل إثبات أحقيته، هناك حيث تقول:فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْمِنْ أَجْرٍ «1» إِنْ أَجْرِيَ إِلَّاعَلَى اللَّهِ، فإنّي أعمل له، و لا أريدالأجر إلّا منه وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَمِنَ الْمُسْلِمِينَ.

إنّ مقولة نوح هذه درس آخر للقادةالإلهيين بأن لا يتوقعوا أي جزاء مادي ومعنوي من الناس لقاء دعوتهم و تبليغهم،لأنّ هذا التوقع يوجد نوعا من التعلقالنفسي الذي يؤدي الى عرقلة أساليب الدعوةالصريحة و النشاطات الحرة، و من الطبيعيعن ذلك أن يقلّ تأثير دعوتهم و إبلاغهم، ولهذا السبب فإنّ الطريق الصحيح في الدعوةإلى الإسلام أن يعتمد المبلّغون و الداعونفي إدارة أمورهم المعاشية على بيت المالفقط، لا بالاحتجاج إلى الناس! و تبيّنالآية الأخيرة عاقبة و مصير أعداء نوح، وصدق توقعه و قوله السابق بهذه الصورة:فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَ مَنْمَعَهُ فِي الْفُلْكِ «2» و لم ننقذهم وحسب، بل‏

(1) جواب هذا الشرط محذوف أيضا، و تقديره:فإن توليتم فلا تضروني، أو: فإن توليتمفأنتم و شأنكم.

(2) «الفلك» بمعنى السفينة، و الفرق بينهاو بين السفينة أن سفينة مفرد و جمعها سفائنأم الفلك فإنّها تطلق على المفرد و الجمع.