ثمّ تطرقت إلى مسألة تربية النفس معنويا وروحيا، فقالت: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ومن أجل أن تطرد آثار الخوف و الرعب من قلوبهؤلاء و تعيد و تزيد من قدرتهم المعنوية والثّورية قالت: وَ بَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ.
يستفاد من مجموع هذه الآية أنّ بنيإسرائيل كانوا في تلك الفترة بصورة جماعةمتشتتة مهزومة و متطفلة و ملوّثة و خائفة،فلا مأوى لهم و لا اجتماع مركزي، و لابرنامجا معنويا بنّاء، و لا يمتلكونالشجاعة و الجرأة اللازمة للقيام بثورةحقيقية.
لذلك فإنّ موسى و أخاه هارون قد تلقوامهمّة وضع برنامج في عدّة نقاط من أجلتطهير مجتمع بني إسرائيل، و خاصّة فيالجانب الروحي:
1- الاهتمام أوّلا بمسألة بناء المساكن، وعزل مساكنهم عن الفراعنة، و كان لهذاالعمل عدّة فوائد:
إحداها: أنّهم بتملّكهم المساكن في بلادمصر سيشعرون برابطة أقوى تدفعهم للدفاع عنأنفسهم و عن ذلك الماء و التراب.
و الأخرى: أنّهم سينتقلون من الحياةالطفيلية في بيوت الأقباط إلى حياةمستقلة.
و الثّالثة: أنّ أسرار أعمالهم و خططهمسوف لا تقع في أيدي الأعداء.
2- أن يبنوا بيوتهم متقاربة و يقابل بعضهاالآخر. لأنّ القبلة في الأصل بمعنى حالةالتقابل، و إطلاق كلمة القبلة على ما هومعروف اليوم إنّما هو معنى ثانوي لهذهالكلمة «1».
و أدّى هذا العمل الى تجمع و تمركز بنيإسرائيل بشكل فاعل، و استطاعوا بذلك
(1) بعض المفسّرين لم يأخذوا القبلة فيالآية أعلاه بمعنى المقابل، بل فسروهابنفس معناها، اي قبلة الصلاة، و يعتبرونجملة: (و أقيموا الصلاة) شاهدا على ذلك،إلّا أن المعنى الأوّل أنسب لمفهوم الكلمةاللغوي الأصلي، إضافة إلى أن إرادة كلاالمعنيين من هذه الكلمة لا إشكال فيهأيضا، كما مر علينا نظير هذا مرارا.