لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.
و لكي يحرك إحساسهم بمعرفة الحق أشار إلىعدد من نعم اللّه المهمّة التي استوعبتجميع وجودهم فقال: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَالْأَرْضِ.
فأين هذه الأرض و التراب الذي لا قيمة له،و أين هذا الوجود العالي و الخلقةالبديعة؟ ترى هل يجيز العقل أن يتركالإنسان خالقه العظيم الذي لديه هذهالقدرة العظيمة و هو واهب هذه النعم، ثمّيمضي إلى عبادة الأوثان التي تثيرالسخرية.
ثمّ يذكّر هؤلاء المعاندين بعد أن أشارإلى نعمة الخلقة بنعم أخرى موجودة فيالأرض حيث قال: وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها.
و أصل «الاستعمار» و «الإعمار» في اللغةيعني تفويض عمارة الأرض لأي كان، و طبيعيأنّ لازم ذلك يجعل الوسائل و الأسباب فياختيار من يفوّض إليه ذلك تحت تصرفه! هذاما قاله أرباب اللغة، كالراغب فيالمفردات، و كثير من المفسّرين في تفسيرالآية المتقدمة.
و يرد احتمال آخر، و هو أنّ اللّه منحكمعمرا طويلا في هذه الأرض، و بديهي أنّالمعنى الأوّل و بملاحظة مصادر اللغة هوالأقرب و الأصح كما يبدو.
و على كل حال فهذا الموضوع يصدق بمعنييهفي ثمود، حيث كانت لديهم أراض خصبة و خضراءو مزارع كثيرة الخيرات و البركات، و كانوايبذلون في الزراعة ابتكارات و قدراتواسعة، و إلى ذلك كله كانت أعمارهم مديدة وأجسامهم قويّة و كانوا متطورين في بناءالمساكن و البيوت، كما يقول القرآنالكريم: وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَالْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ «1».
الطريف هنا أنّ القرآن لم يقل: إنّ اللّهعمر الأرض و جعلها تحت تصرفكم،
(1) سورة الحجر، 82.