و هناك كلام بين المفسّرين في المراد بـ«قيل اقعدوا» فمن هو القائل؟! أهو اللّهسبحانه، أم النّبي، أم باطنهم؟! الظاهرأنّه أمر تكويني نهض من باطنهم المظلم، وإنّه مقتضى عقيدتهم الفاسدة و أعمالهمالقبيحة، و كثيرا ما يرى أن مقتضى الحاليظهرونه في هيئة الأمر أو النهي. و يستفادمن الآية محل البحث أنّ لكلّ عمل ونيّةاقتضاء يبتلى به الإنسان شاء أم أبى، و ليسلكلّ أحد قابلية السير في سبيل اللّه وتحمّل الأعباء الكبرى، بل هو توفيق من قبلاللّه يوليه من يجد فيه طهارة النيّة والاستعداد و الإخلاص.
و في الآية التالية إشارة إلى هذهالحقيقة، و هي أن عدم مساهمة مثل هؤلاءالأفراد في ساحة الجهاد ليس مدعاة للتأثرو الأسف فحسب، بل لعله مدعاة للسرور،لأنّهم لا ينفعونكم فحسب، بل سيكونونبنفاقهم و معنوياتهم المتزلزلة وانحرافهم الأخلاقي مصدرا لمشاكل أخرىجديدة.
و الآية في الحقيقة تعطي درسا للمسلمين أنلا يكترثوا بكثرة المقاتلين أو قلّتهم وكميتهم و عددهم، بل عليهم أن يفكروا فياختيار المخلصين المؤمنين و إن كانواقلّة، فهذا درس لمسلمي الماضي و الحاضر والمستقبل.
و تقول الآية: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ أيإلى تبوك للقتال ما زادُوكُمْ إِلَّاخَبالًا.
«الخبال» بمعنى الاضطراب و التردد.
و الخبل على زنة «الأجل» معناه الجنون.
و الخبل على زنة «الطبل» معناه فسادالأعضاء.
فبناء على ذلك فإنّ حضورهم بتلك الروحيّةالفاسدة المقرونة بالتردد و النفاق لا أثرله سوى إيجاد الشك و التردد و تثبيطالعزائم بين جنود الإسلام.
و تضيف الآية قائلة: وَ لَأَوْضَعُواخِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ«1»
1- أوضعوا من مادة الإيضاع و معناه،الإسراع في الحركة، و معناه هنا الإسراعفي النفوذ بين صفوف المقاتلين، و الفتنةهنا بمعنى التفرقة و اختلاف الكلمة.