و سندها أيضا، و هكذا تلقّى موسى عليهالسّلام في تلك الليلة المليئة بالذكرياتو الحوادث معجزتين كبيرتين من اللّه، ويبيّن القرآن الكريم هذه الحادثة فيقول:
وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟
إنّ هذا السؤال البسيط المقترن باللطف والمحبة، إضافة إلى أنّه بثّ الطمانينة فينفس موسى عليه السّلام الذي كان غارقاحينئذ في دوامة من الاضطراب و الهيجانفإنّه كان مقدمة لحادثة مهمّة.
فأجاب موسى: قالَ هِيَ عَصايَ و لما كانراغبا في أن يستمر في حديثه مع محبوبه الذيفتح الباب بوجهه لأوّل مرّة، و ربّما كانيظن أيضا أن قوله: هِيَ عَصايَ غير كاف،فأراد أن يبيّن آثارها و فوائدها فأضاف:أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ «1»بِها عَلى غَنَمِي أي أضرب بها على أغصانالشجر فتتساقط أوراقها لتأكلها الأغناموَ لِيَ فِيها مَآرِبُ «2» أُخْرى.
من المعلوم ما للعصا لأصحابها من فوائد،فهم يستعملونها أحيانا كسلاح للدفاع عنأنفسهم أمام الحيوانات المؤذية والأعداء، و أحيانا يصنعون منها مظلة فيالصحراء تقيهم حرّ الشمس، و أحيانا أخرىيربطون بها وعاء أو دلوا و يسحبون الماء منالبئر العميق.
عل كل حال، فإنّ موسى غط في تفكير عميق: أيسؤال هذا في هذا المجلس العظيم، و أي جوابأعطيه؟ و ماذا كانت تلك الأوامر؟ و لماذاهذا السؤال؟
و فجأة قالَ أَلْقِها يا مُوسىفَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى.«تسعى» من مادة السعي أي المشي السريعالذي لا يصل إلى الركض.
1- «أهش» من مادة هشّ- بفتح الهاء- أي ضربأوراق الشجر و تساقطها. 2- «مآرب» جمع مأربة، أي الحاجة و المقصد.