إلّا أنّ التّفسيرين الأوّل و الثّانيأيضا لا يخالفان المعنى الواسع لهذهالآية، لأنّ الرؤية تأتي أحيانا بمعنىالعلم. صحيح أنّ هذا العلم و الوعي ليسللجميع، بل إنّ العلماء وحدهم الذينيستطيعون أن يكتسبوا العلوم حول ماضيالأرض و السّماء، و اتّصالهما ثمّانفصالهما، إلّا أنّنا نعلم أنّ القرآنليس كتابا مختصا بعصر و زمان معيّن، بل هومرشد و دليل للبشر في كلّ القرون والأعصار.
من هذا يظهر أنّ له محتوى عميقا يستفيدمنه كلّ قوم و في كلّ زمان، و لهذا نعتقدأنّه لا مانع من أن تجتمع للآية التفاسيرالثلاثة، فكلّ في محلّه كامل و صحيح و قدقلنا مرارا: إنّ استعمال لفظ واحد في أكثرمن معنى ليس جائزا فحسب، بل قد يكون أحيانادليلا على كمال الفصاحة، و إنّ ما نقرؤه فيالرّوايات من أنّ للقرآن بطونا مختلفةيمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى.
و أمّا فيما يتعلّق بإيجاد كلّ الكائناتالحيّة من الماء الذي أشير إليه في ذيلالآية، فهناك تفسيران مشهوران:
أحدهما: إنّ حياة كلّ الكائنات الحيّة-سواء كانت النباتات أم الحيوانات- ترتبطبالماء، هذا الماء الذي كان مبدؤه- المطرالذي نزل من السّماء.
و الآخر: إنّ الماء هنا إشارة إلى النطفةالتي تتولّد منها الكائنات الحيّة عادة.
و ما يلفت النظر أنّ علماء عصرنا الحديثيعتقدون أنّ أوّل انبثاقة للحياة وجدت فيأعمال البحار، و ذلك يرون أنّ بدايةالحياة من الماء. و إذا كان القرآن يعتبرخلق الإنسان من التراب، فيجب أن لا ننسىأنّ المراد من التراب هو الطين المركّب منالماء و التراب.
و الجدير بالذكر أيضا أنّه طبقا لتحقيقاتالعلماء، فإنّ الماء يشكّل الجزء الأكبرمن بدن الإنسان و كثير من الحيوانات، و هوفي حدود 70! و ما يورده البعض من أنّ خلقالملائكة و الجنّ ليس من الماء، مع أنّهاكائنات حيّة، فجوابه واضح، لأنّ المراد هوالموجودات الحيّة المحسوسة بالنسبة لنا.