و لا أنسى وحدي، بل ستنسى مناهجي و سيرتيأيضا أكدّ كلّ ذلك بتعبير لا تَذَرْنِي منمادّة (وذر) على وزن مرز بمعنى ترك الشيءلقلّة قيمته و عدم أهميّته. و أخيرا فإنّجملة وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَتعبّر عن حقيقة أنّه يعلم أنّ هذه الدنياليست دار بقاء، و نعلم أنّ اللّه خيرالوارثين، و لكنّه يبحث- من جهة عالمالأسباب- عن سبب يوصله إلى هذا الهدف ..
فاستجاب اللّه هذا الدعاء الخالصالمليء بعشق الحقيقة، و حقّق أمنيته و ماكان يصبوا إليه، كما تقول الآية:فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُيَحْيى و من أجل الوصول إلى هذا المرادأصلحنا زوجته و جعلناها قادرة على الإنجابوَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ.
ثمّ أشار اللّه سبحانه إلى ثلاث صفات منالصفات البارزة لهذه الأسرة فقال:
إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِيالْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً «1» وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ والخشوع هو الخضوع المقرون بالاحترام والأدب، و كذلك الخوف المشفوع بالإحساسبالمسؤولية.
إنّ ذكر هذه الصفات الثلاث ربّما تكونإشارة إلى أنّ هؤلاء عند ما يصلون إلىالنعمة فلا يبتلون بالغفلة و الغرور كمافي الأشخاص الماديين من ضعفاء الإيمان،فهؤلاء لا ينسون الضعفاء المحتاجين علىكلّ حال، و يسارعون في الخيرات، ويتوجّهون إلى اللّه سبحانه في حال الفقر والغنى، و المرض و الصحّة، و أخيرا فإنّهملا يبتلون بالكبر و الغرور عند إقبالالنعمة، بل كانوا خاشعين خاضعين أبدا.
1- «رغبا» بمعنى الرغبة و الميل و العلاقة،و «رهبا» بمعنى الخوف و الرعب، و هناكاحتمالات متعدّدة في محلّها من الإعراب،فيمكن أن تكون حالا أو تمييزا أو مفعولامطلقا، أو ظرفا أي في حال الرغبة و في حالالرهبة. و بالرغم من أنّ نتائج هذهالاحتمالات الخمسة تختلف مع بعضها، إلّاأنّ هذا التفاوت في جزئيات مفهوم الآية،لا في أساسها و نتيجتها.