و من الدلائل الواضحة على إحساسهمبالاستعلاء، قولهم: فَقالُوا أَ نُؤْمِنُلِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُمالَنا عابِدُونَ «1» فلم يكتفوا بالقولإنّنا لا ينبغي لنا اتّباع موسى و هارون،بل لا بدّ أن يكون موسى و هارون عبديندائمين لهم. فهؤلاء الذين اتّهمواالأنبياء عليهم السّلام بالتسلّط في وقتهم أسوأ من كلّ متسلّط، و كلامهم يشهد علىذلك.
و على كلّ حال فقد تصدّوا لموسى و أخيههارون بهذه الأدلّة الخاوية، مخالفة منهمللحقّ فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَالْمُهْلَكِينَ.
و هكذا انتهى أعداء بني إسرائيل الذينكانوا سدّا مانعا لدعوة موسى و هارون إلىاللّه سبحانه.
و بدأت بعدها مرحلة تعليم و تربية بنيإسرائيل، فأنزل اللّه في هذه المرحلة«التوراة» على موسى، الذي دعا بني إسرائيلللاهتداء بهذا الكتاب و تطبيقه على ماذكرته الآية الأخيرة هنا وَ لَقَدْآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْيَهْتَدُونَ.
و الآيات السابقة تحدّثت في مرحلة موسى وهارون عن الفراعنة مستعملة الضميرالمثنّى، و هنا تكلّمت عن نزول الكتابالسماوي (التوراة) فخصّصت الحديث بموسىعليه السّلام. لأنّه النّبي المرسل و صاحبالكتاب و الشريعة. إضافة إلى أنّ (موسى) كانيتعبّد في جبل الطور حين نزول التوراة،بينما كان هارون بين جموع بني إسرائيل «2».
1- يطلق على الإنسان «البشر»، لأنّ بشرته وجلده عارية. خلافا لما عليه الحيوانات منلباس طبيعي خاص بكلّ نوع منهما. و ذلك لعدم قدرتها على إعداد وسائل الحياةفمنح اللّه ذلك لها بشكل طبيعي. أمّابالنسبة للإنسان فقد أوكل ذلك إلى ذكائه وعقله، 2- بحثنا بالتفصيل حول موسى عليه السّلام وكيفية مبعثه و جهاده مع الفراعنة في تفسيرالآيات (103) إلى (162) من سورة الأعراف و فيتفسير الآيات (8) إلى (97) من سورة طه.