و هذه إشارة إلى أنّ الواجبات الشرعيّة هيفي حدود طاقة الإنسان. و أنّها تسقط عنهإذا تجاوزت هذه الحدود، و كما يقول علماءأصول الفقه: إنّ هذه القاعدة حاكمة علىجميع الواجبات الشرعيّة و مقدّمة عليها.
و قد يسأل: كيف يحاسب كلّ البشر علىأعمالهم كلّها صغيرها و كبيرها؟
فتجيب الآية وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُبِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ فهناكصحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى اللّهالعلي القدير. و هي تنطق بالحقّ عمّااقترفه الإنسان من ذنوب، فلا يمكنهإنكارها «1».
و ربّما كان القصد من الكتاب الذي لدىاللّه هو اللوح المحفوظ. و لفظ «لدينا»يؤكّد هذا التّفسير.
و الخلاصة أنّ الآية المذكورة آنفا تؤكّدحفظ الأعمال على أهلها من خير أو شرّ، فهيمسجّلة بدقّة، و الإيمان بهذه الحقيقةيشجّع الصالحين على القيام بأعمال الخير،و اجتناب الأعمال السيّئة.
و تعبير يَنْطِقُ بِالْحَقِّ الذي وصفصحيفة أعمال البشر تشبه القول: إنّالرسالة الفلانية ذات تعبير واضح، أي: لايحتاج إلى شرح. و كأنّها ناطقة بذاتها، فهيتجلّي الحقيقة.
و عبارة وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ تبيّنأنّه لا ظلم و لا جور و لا غفلة يوم الحساب،فكلّ شيء في سجلّ معلوم.
و لكون هذه الحقائق مؤثّرة في الواعين منالناس فحسب، أضافت الآية التالية بأنّهؤلاء الكفّار المعاندين غارقون فيدوّامة الجهل و الغفلة لدرجة أنّهم غافلونعمّا ينتظرهم من الوعيد: بَلْ قُلُوبُهُمْفِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا «2».
1- لقد شرحنا بإسهاب صحيفة أعمال الإنسان وحقيقتها في التّفسير الأمثل حين تفسيرالآية (13) من سورة الإسراء و كذلك حين تفسيرالآية (49) من سورة الكهف. 2- يمكن أن تكون كلمة «هذا» إشارة إلىصحيفة الأعمال و يوم الحساب، أو القرآنالمجيد، أو أعمال الصالحين التي أشارت