و الدليل على الاتّفاق بين هؤلاء العلماءواضح، و هو تصريح الآيات القرآنية بوجودالبرزخ و ما فيه من نعمة و عذاب، كماأسلفنا. و منها ما صرّح بذلك في الحديث عنالشهداء: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاًبَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْيُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُاللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْيَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْأَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْيَحْزَنُونَ «1» و ليس فقط هذه المجموعة منالصالحين قد أنعم اللّه عليها، بل إنّمجموعة من أسوأ الطغاة و المجرمين يعذّبهماللّه، كما أنّ تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية 46 من سورةغافر (المؤمن).
و الأحاديث متواترة بهذا الصدد، فلا نقاشفي وجود عالم البرزخ أساسا، و المهمّ أننعرف حياة البرزخ و شكلها، فقد ذكرت لهصورة مختلفة، أوضحها أنّ أرواح البشر بعدترك هذه الدنيا، تدخل أجساما لطيفة ساميةعن آثار هذه المادّة القذرة، إلّا أنّهاعلى شكل أجسامنا، و يقال لكلّ منها (الجسمالمثالي) و هو ليس مجردا تمام التجرية، ولا هو مادّيا محضا. إنّه يمتاز بتجرّدبرزخي معيّن، و شبّهه بعضهم بما عليهالروح في أثناء ما يراه النائم، إذ تسرّالروح رؤية النعم، و تعذّبها مشاهدةالمناظر المؤلمة، و لذلك أثّر في جسمناهذا، إذ نبكي عند رؤية حلم مزعج، و نفزعمذعورين من هول ما نرى، أو نضحك من أعماقنامن طرافة ما نحلم به في نومنا.
و يرى جماعة أنّ الروح تقوم بنشاط فيالجسم المثالي، بل يرون أكثر من ذلك، ألا وهو قدرة الأرواح القويّة على اكتساب حالةالتجرّد البرزخي في يقظة الإنسان أيضا. أيتنفصل الروح عن الجسم. و تتحرّك في الجسمالمثالي برغبتها أو بالتنويم المغناطيسي،تتحرّك في العالم لتطّلع على بعض القضايا«2».
1- سورة آل عمران، 169 و 170. 2- يصرّح العلّامة المجلسي في تناوله هذاالموضوع في بحار الأنوار: إنّ تشبيهالبرزخ بالحلم و ما يتراءى للإنسان واردفي