الإرادة و مرحلة الإيجاد، و هي التي عبّرتعنه الآية بشكل أمر في جملة «كن».
بعض المفسّرين القدماء توهّموا أنّالمعنى يشير إلى وجود قول و لفظ في عمليةالإيجاد و الخلق، و اعتبروا ذلك من أسرارالخلق غير المعروفة، و الظاهر أنّهم وقعوافي عقدة اللفظ، و بقوا بعيدين عن المعنى، وقاسوا أعمال اللّه على مقاييسهم البشرية.
و ما أجمل ما قاله أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام في واحدة من خطبة التي أوردت في نهجالبلاغة: «يقول لما أراد لما كونه كن فيكون«1» لا بصوت يقرع، و لا بنداء يسمع، و إنّماكلامه سبحانه فعل منه أنشأه، و مثله لم يكنمن قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكانثانيا» «2».
ناهيك عن أنّنا لو افترضنا وجود لفظ أوقول في عملية الخلق فسنواجه إشكالينأساسيين:
الأوّل: أنّ (اللفظ) بحدّ ذاته مخلوق منمخلوقات اللّه و لأجل إيجاده يحتاج سبحانهإلى «كن» اخرى، و نفس الكلام ينطبق على«كن» الثانية بحيث نصبح في عملية تسلسلغير منتهية.
الثاني: أنّ كلّ خطاب يحتاج إلى مخاطب، وفي الوقت الذي لم يوجد فيه شيء حينذاكفكيف يخاطبه اللّه سبحانه و تعالى بالقول«كن»، فهل أنّ المعدوم يمكن مخاطبته؟! و قدورد في آيات اخرى من القرآن الكريم نفس هذاالمعنى بتعبيرات اخرى، كما في الآية (117) منسورة البقرة: وَ إِذا قَضى أَمْراًفَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ،و كذا في الآية (40) من سورة النحل: إِنَّماقَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُأَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
1- ورد في بعض النسخ «لمن أراد» و يبدو أنالأنسب هو النص الذي أوردناه «لما أراد». 2- نهج البلاغة، خطبة 186.