بخلق اللّه من جهة ثانية، و مظهر ذلكالإنفاق من كلّ ما تفضّل به اللّه تعالىعلى الإنسان، من علمه، من ماله و ثروته ونفوذه، من فكره الخلّاق، من أخلاقه وتجاربه، من جميع ما وهبه اللّه.
هذا الإنفاق تارة يكون (سرّا)، فيكوندليلا على الإخلاص الكامل. و تارة يكون(علانية) فيكون تعظيما لشعائر اللّه ودافعا للآخرين على سلوك هذا الطريق.
و مع الالتفات إلى ما ورد في هذه الآية والآية السابقة نستنتج أنّ العلماء حقّا همالذين يتّصفون بالصفات التالية:
قلوبهم مليئة بالخشية و الخوف من اللّهالمقترن بتعظيمه تعالى.
ألسنتهم تلهج بذكر اللّه و تلاوة آياته.
يصلّون و يعبدون اللّه.
ينفقون في السرّ و العلانية ممّا عندهم.
و أخيرا و من حيث الأهداف، فإنّ أفقتفكيرهم سام إلى درجة أنّهم أخرجوا منقلوبهم هذه الدنيا الماديّة الزائلة، ويتأمّلون ربحا من تجارتهم الوافرة .. الربحمع اللّه وحده، لأنّ اليد التي تمتدّ إليهلا تخيب أبدا.
و الجدير بالملاحظة أيضا أنّ «تبور» من«البوار» و هو فرط الكساد، و لمّا كان فرطالكساد يؤدّي إلى الفساد كما قيل «كسدحتّى فسد» عبّر بالبوار عن الهلاك، و بذافإنّ «التجارة الخالية من البوار» تجارةخالية من الكساد و الفساد.
ورد في حديث رائع أنّه جاء رجل إلى رسولاللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يارسول اللّه، ما لي لا أحبّ الموت؟ قال: «ألك مال» قال: نعم. قال: «فقدّمه» قال: لاأستطيع. قال:
«فإنّ قلب الرجل مع ماله، إن قدّمه أحبّأن يلحق به، و إن أخّره أحبّ أن يتأخّرمعه» «1».
إنّ هذا الحديث في الحقيقة يعكس روح الآيةأعلاه، لأنّ الآية تقول إنّ الذين
1- مجمع البيان، ج 4، ص 407.