نعم، لقد كانت قلوب هؤلاء مملوءة غيظا وحقدا شديدا على النّبي صلّى الله عليهوآله وسلّم و المؤمنين، و كانوا يتحيّنونالفرص لإنزال الضربة بهم، فهنا يحذّرهمالقرآن بأن لا يظنّوا أنّ بإمكانهم أنيخفوا وجههم الحقيقي دائما، و لذلك فإنّالآية التالية تضيف:
وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْفَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ فنجعل فيوجوههم علامات تعرفهم بها إذا رأيتهم، وتراهم رأي العين فتنظر واقعهم عند ما تنظرظاهرهم.
ثمّ تضيف: وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِيلَحْنِ الْقَوْلِ فيمكنك في الحال أنتعرفهم من خلال نمط كلامهم.
يقول الراغب في مفرداته: «اللحن» عبارة عنصرف الكلام عن قواعده و سننه، أو إعرابهعلى خلاف حاله، أو الكناية بالقول بدلا منالصراحة. و المراد في الآية مورد البحث هوالمعنى الثّالث، أي: يمكن معرفة المنافقينمرضى القلوب من خلال الكناية في كلامهم، وتعبيراتهم المؤذية التي تنطوي على النفاق.
حينما يكون الكلام عن الجهاد، فإنّهميسعون إلى إضعاف إرادة الناس و معنوياتهم،و حينما يكون الكلام عن الحق و العدالة،فإنّهم يحرّفونه بنحو من الأنحاء، و إذاما أتى الحديث عن الصالحين المتّقينالسابقين إلى الإسلام، فإنّهم يسعون إلىتشويه سمعتهم، و تقليل أهميتهم و مكانتهم،و لذلك روي عن «أبي سعيد الخدري» حديثهالمعروف الذي يقول فيه: لحن القول بغضهمعلي بن أبي طالب، و كنّا نعرف المنافقينعلى عهد رسول اللّه ببغضهم علي بن أبي طالب«1».
نعم، لقد كانت إحدى العلامات البارزةللمنافقين أنّهم كانوا يعادون أوّل من آمنمن الرجال، و أول مضح في سبيل الإسلام، ويبغضونه.
1- مجمع البيان، ذيل الآيات مورد البحث.ثمّ إنّ جماعة من كبار العامّة نقلوامضمون هذا الحديث في كتبهم، و من جملتهم: أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل، و ابن عبدالبر في الإستيعاب، و الذهبي في تاريخأوّل الإسلام، و ابن الأثير في جامعالأصول، و العلّامة الگنجي في كفايةالطالب، و محب الدين الطبري في الرياضالنضرة، و السيوطي في الدر المنثور، والآلوسي في روح المعاني، و أورده جماعةآخرون في كتبهم، و هو يبيّن أنّها إحدىالروايات المسلمة عن الرّسول الأعظم صلّىالله عليه وآله وسلّم لمزيد من الإيضاحيراجع إحقاق الحق، المجلد الثّالث، صفحة110 و ما بعدها.