ثمّ يتنازل القرآن إلى مرحلة اخرى، فيذكرواحدا من الأمور التي يمكن أن تكون ذريعةلرفضهم فيقول: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراًفَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ.
«المغرم»- على وزن مغنم و هو ضدّ معناه- أيما يصيب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة،أمّا الغريم فيطلق على الدائن و المدينأيضا.
و «المثّقل» مشتقّ من الأثقال، و معناهتحميل العبء و المشقّة، فبناء على هذاالمعنى يكون المراد من الآية: ترى هل تطلبمنهم غرامة لتبليغ الرسالة فهم لا يقدرونعلى أدائها و لذلك يرفضون الإيمان؟! و قدتكرّرت الإشارة في عدد من الآيات القرآنيةلا في النّبي فحسب، بل في شأن كثير منالأنبياء، إذ كان من أوائل كلمات النبيينقولهم لأممهم: لا نريد على إبلاغناالرسالة إليكم أجرا .. ليثبت عدم قصدهمشيئا من وراء دعوتهم و لئلّا تبقى ذريعةللمتذرّعين أيضا.
و مرّة اخرى يخاطبهم القرآن متسائلا أَمْعِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْيَكْتُبُونَ فهؤلاء يدّعون أنّ النّبيشاعر و ينتظرون موته لينطوي بساطه و ينتهيكلّ شيء بموته و تلقى دعوته في سلّةالإهمال، كما تقدّم في الآية السابقة ذلكعلى لسان المشركين إذ كانوا يقولون ..نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ.
فمن أين لهم أنّهم سيبقون أحياء بعد وفاةالنبي؟! و من أخبرهم بالغيب؟! و يحتمل أيضاأنّ القرآن يقول إذا كنتم تدّعون معرفةالأسرار الغيبية و أحكام اللّه و لستمبحاجة إلى القرآن و دين محمّد فهذا كذبعظيم «1».
ثمّ يتناول القرآن احتمالا آخر فيقول: لولم يكن كلّ هذه الأمور المتقدّمة، فلا بدّأنّهم يتآمرون لقتل النّبي و إجهاض دعوتهو لكن ليعلموا أنّ كيد اللّه أعلى
الدلائل الحيّة التي أقامها القرآن ضدّهمفليراجع ذيل الآية (57) سورة النحل و ذيلالآية (149) من سورة الصافات .. 1- قال بعض المفسرين أنّ المراد بالغيب هواللوح المحفوظ، و قال بعضهم: بل هو إشارةإلى ادّعاءات المشركين و قولهم إذ كانتالقيامة فسيكون لنا عند اللّه مقام كريم.إلّا أنّ هذه التفاسير لا تتناسب و الآيةمحلّ البحث و لا يرتبط بعضها ببعض.