ثمّ يضيف القرآن في ذيل الآية قائلا:ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ «1» أجلإنّ الموت حقيقة يهرب منها أغلب الناسلأنّهم يحسبونه فناء لا نافذة إلى عالمالبقاء، أو أنّهم لعلائقهم و ارتباطاتهمالشديدة بالدنيا و المواهب المادية التيلهم فيها لا يستطيعون أن يصرفوا قلوبهمعنها، أو لسواد صحيفة أعمالهم.
أيّا كان فهم منه يهربون .. و لكن ما ينفعهمو مصيرهم المحتوم في انتظار الجميع و لامفرّ لأحد منه، و لا بدّ أن ينزلوا إلىحفرة الموت و يقال لهم هذا ما كنتم منهتفرّون!!.
و قائل هذا الكلام ربّما هو اللّه أوالملائكة أو الضمائر اليقظة أو الجميع!.
و القرآن بيّن هذه الحقيقة في آيات أخركما هو في الآية (78) من سورة النساء إذ يقول:أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُالْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍمُشَيَّدَةٍ!.
و قد ينسى الإنسان المغرور جميع الحقائقالتي يراها بامّ عينيه على أثر حبّ الدنياو حبّ الذات حتّى يبلغ درجة يقسم فيها أنّهخالد كما يقول القرآن في هذا الصدد: أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ.
و لكن سواء أقسم أم لم يقسم، و صدّق أم لميصدّق فإنّ الموت حقيقة تحدق بالجميع وتحيق بهم و لا مفرّ لهم منها.
ثمّ يتحدّث القرآن عن النفخ في الصورفيقول: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَيَوْمُ الْوَعِيدِ.
و المراد من «النفخ في الصور» هنا هوالنفخة الثانية، لأنّه كما نوّهنا آنفافإنّ الصور ينفخ فيه مرّتين: فالنفخةالاولى تدعى بنفخة الفزع أو الصعق و هيالتي تكون في نهاية الدنيا و يموت عندسماعها جميع الخلق و يتلاشى نظام العالمالدنيوي، و النفخة الثانية هي نفخة«القيام و الجمع و الحضور» و تكون في بداية
1- كلمة تحيد مشتقّة من مادّة حيد- على وزنصيد- و معناها العدول عن الشيء و الفرارمنه.