امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 17 -صفحه : 500/ 321
نمايش فراداده

إنّ الإنسان إذا كان صادقا في البحث عنالحقيقة فانّه يكفيه أن يرى واحدة منها، وخاصّة تلك التي يسبقها إنذار، ثمّ بلاء،ثمّ زوال هذا البلاء عند دعاء النّبيالإلهي، و لكن العناد، و الإصرار علىالباطل و الغرور إذا ركب الإنسان، فحتّىلو أصبحت جميع السماء و الأرض آيات للّه،فلن تكون ذات تأثير على أمثال هؤلاء، والجواب الحاسم المناسب لهم هو العذابالإلهي الذي يقضي على النزعات الشريرة والنفوس المريضة التي يملؤها الهوى والغرور. كما قال تعالى:

فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍمُقْتَدِرٍ تكملة للآية مورد البحث.

«أخذ» في الأصل بمعنى تناول الشي‏ء وأخذه باليد، و لكون المجرم يؤخذ قبل أنيعاقب، لذا فإنّها تستعمل كناية عنالمجازاة.

و التعبير الآخر الذي أتى في آخر هذهالقصّة لا يوجد له شبه في التعابيرالمماثلة في القصص الاخرى، و ذلك لأنّالفراعنة كانوا يتباهون بقوّتهم و سطوتهمو عزّهم أكثر من بقيّة الأمم، و الحديث عنقوّة سلطانهم كان في كلّ مكان. يقول اللّهتعالى: فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍمُقْتَدِرٍ و ذلك كي يكون واضحا للجميعأنّ القوّة الحقيقة هي للّه وحده، لأنّكلّ قوّة و عزّة اخرى غير قوّته و ما يتّصلبذاته وهميّة لا تساوي شيئا في قبال عزّتهو قدرته ... و العجيب أنّ نهر النيل العظيمالذي كان مصدر خير و ثروة لهم، هو الذي أمربالانتقام منهم، و الأعجب من ذلك أنّ أضعفالمخلوقات سلّطت عليهم كالجراد و الضفادعو القمل فجعلتهم في حالة عجز و مسكنة لايقدرون على دفعها، و هم الذين كانوا منالسطوة و القوّة موضع حديث أهل زمانهم:

و بعد بيان هذه المشاهد المؤثّرة من قصصالأقوام المنصرمة و العذاب الإلهي العظيمالذي حلّ بهؤلاء الجبابرة المتمردّين علىالحقّ، يخاطب اللّه سبحانه في الآيةاللاحقة مشركي مكّة بقوله تعالى: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْأَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي‏