في بداية السورة رواية تؤكّد على ضرورةتعقيبنا بهذه العبارة (لا شيء من آلائكربّي أكذّب) بعد كلّ مرّة نتلو فيها الآيةالكريمة: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُماتُكَذِّبانِ.
و بالرغم من أنّ الآيات السابقة تحدّثت عنالإنسان فقط، و لم يأت حديث عن طائفة(الجنّ) إلّا أنّ الآيات اللاحقة تبيّن أنّالمخاطب في ضمير التثنية هم (الجنّ) كماسنرى ذلك.
و على كلّ حال، فإنّ اللّه تعالى يضع(الإنس و الجنّ) في هذه الآية مقابلالحقيقة التالية: و هي ضرورة التفكّر فيالنعم الإلهيّة السابقة التي منحها اللّهلكم و تسألون أنفسكم و عقولكم هذا السؤال:فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِفإنّ لم تكذّبوا بهذه النعم، فلما ذاتتنكّرون لوليّ نعمتكم؟ و لماذا لا تجعلونشكره وسيلة لمعرفته؟ و لماذا لا تعظّمونشأنه؟
إنّ التعبير بـ (أي) إشارة إلى أنّ كلّواحدة من هذه النعم دليل على مقام ربوبيةاللّه و لطفه و إحسانه، فكيف بها إذا كانتهذه النعم مجتمعة؟
إذا تأمّلنا قليلا النعم التي سبق و أنتناولتها الآيات الكريمة: (نعمة القرآن، وخلق الإنسان، و تعليم البيان، و الحسابالمنظّم للزمان، خلق النباتات و مختلفالأشجار، و حاكمية السماء و السنن والقوانين، و خلق الأرض بخصوصياتهاالمتعدّدة، و خلق الفاكهة و النخل والحبوب و الورود و النباتات المعطّرة ...)مع جميع جزئياتها و الأسرار الخفيّة فيكلّ واحدة منها لكانت كافية لأنّ تبعثالإحساس بالشكر في الإنسان و تدفعه إلىمعرفة مبدئ هذه النعم و هو اللّه سبحانه.