امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 17 -صفحه : 500/ 386
نمايش فراداده

يقول سبحانه في البداية: سَنَفْرُغُلَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ «1» «2».

نعم، إنّ اللّه العالم القادر سيحاسب فيذلك اليوم الإنس و الجنّ حسابا دقيقا علىجميع أعمالهم و أقوالهم و نيّاتهم، ويعيّن لكلّ منهم الجزاء و العقاب.

و مع علمنا بأنّ اللّه سبحانه لا يشغلهعمل عن عمل، و علمه محيط بالجميع في آنواحد، و لا يشغله شي‏ء عن شي‏ء (و لا يشغلهشأن عن شأن) و لكنّنا نواجه التعبير في(سنفرغ) و التي تستعمل غالبا بالتوجّهالجادّ لعمل ما، و الانصراف الكلّي له، وهذا من شأن المخلوقات بحكم محدوديتها.

إلّا أنّه استعمل هنا للّه سبحانه،تأكيدا على مسألة حساب اللّه تعالى لعبادهبصورة لا يغادر فيها صغيرة و لا كبيرة إلّاأحصاها، و لا يغفل عن مثقال ذرّة من أعمالالإنسان خيرا أو شرّا، و الأظرف من ذلك أنّاللّه الكبير المتعال هو الذي يحاسب بنفسهعبده الصغير، و علينا أن نتصوّركم هيمرعبة و مخيفة تلك المحاسبة.

(الثقلان) من مادّة (ثقل) على وزن (كبر)بمعنى الحمل الثقيل و جاءت بمعنى الوزنأيضا، إلّا أنّ (ثقل) على وزن (خبر) تقالعادة لمتاع و حمل المسافرين، و تطلق علىجماعة الإنس و الجنّ و ذلك لثقلهمالمعنوي، لأنّ اللّه تبارك و تعالى قدأعطاهم عقلا و شعورا و علما و وعيا له وزن وقيمة بالرغم من أنّ الثقل الجسدي لهمملحوظ أيضا كما قال تعالى: وَ أَخْرَجَتِالْأَرْضُ أَثْقالَها، «3» حيث ورد أنّأحد معانيها هو خروج الناس من القبور فييوم القيامة، إلّا أنّ التعبير في الآيةمورد البحث جاء باللحاظ المعنوي، خاصّة وأنّ الجنّ ليس لهم ثقل مادّي.

1- يجب الالتفات إلى أنّ رسم الخطّ القديمفي القرآن المجيد كتبت (أيّها) في مواردبصورة (أيّه) و التي هي في الآية مورد البحثو آيتين أخريين (النور آية 31، و الزخرف آية49) في الوقت الذي تكتب (أيّها) في الحالاتالاخرى بالألف الممدودة، و الملاحظ أنّهاكانت على أساس قاعدة رسم الخطّ القديم.

2- مع كون «الثقلين» تنبيه فالضمير في لكمأتى جمعا و ذلك إشارة إلى مجموعتين.

3- الزلزلة، 2.