امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 19 -صفحه : 474/ 252
نمايش فراداده

مراحل التكامل حتى يوصله إلى المرحلةالأخيرة التي يريدها له، ثمّ تتجلّىربوبيته إلى أعلى المراتب و الحدود فيسقيبيده عباده الأبرار بالشراب الطهور.

و من جهة أخرى فإنّ «الطهور» هو الطاهر والمطهر، و على هذا فإنّ هذا الشراب يطهرجسم الإنسان و روحه من كل الأدران والنجاسات و يهبه من الروحانية و النورانيةو النشاط ما لا يوصف بوصف: حتى‏ ورد في حديث عن الإمام الصادق عليهالسّلام أنّه قال: «يطهرهم عن كلّ شي‏ءسوى اللّه» «1».

إنّ هذا الماء الطهور أفضل من أيّة نعمة وأعلى من كلّ موهبة، إذ أنّه يمزق ستارالغفلة، و يزيل الحجب، و يجعل الإنسانأهلا للحضور الدائم في جوار القرب مناللّه تعالى، فإذا كان شراب الدنيا يزيلالعقل و يبعد الإنسان عن اللّه، فإنّالشراب الطهور يعطى من يد ساقي الجنّة،فيجرّد الإنسان عن ما سوى اللّه، ليغرق فيجماله و جلاله، و هذا أفضل ما ذكره اللّهتعالى من النعيم الخفي الموهوب في الجنّة، ففي حديث روي عن النّبي صلّى الله عليهوآله حول عين الشراب الطهور المستقرة عندباب الجنّة قال: «فيسقون منها شربة فيطهراللّه بها قلوبهم من الحسد! ... و ذلك قولاللّه عزّ و جلّ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْشَراباً طَهُوراً «2».

و الظريف في عبارة طهور أنّها لم ترد فيالقرآن إلّا في موردين: أحدهما في موردالمطر (الفرقان 48) الذي يطهر كل شي‏ء ويحيي البلاد الميتة، و الآخر في موردالآية التي نحن بصدد بحثها، و هو الشرابالخاص بأهل الجنّة. و في آخر آية من آيات البحث يتحدث حديثاأخيرا في هذا الإطار فيقول:

إنّه يقال لهم من قبل ربّ العزّة بأنّ هذهالنعم العظيمة ما هي إلّا جزاء أعمالكم فيالدنيا إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً. لئلا يتصورأحد أنّ هذا الجزاء و هذه المواهب العظيمةتعطى من دون مقابل، إنّ كل ذلك جزاءالسعي‏

1- مجمع البيان، ج 10، ص 411.

2- نور الثقلين، ج 5، ص 485 ذيل الحديث 60.