الوجه الثاني إنّ الشيطان إنّما وصفبكونه مرجوما لأنه تعالى أمر الملائكةبرمي الشياطين بالشهب الثواقب طردا لهم منعالم السماوات، ثم وصف بذلك كلّ شريرمتمرّد.
و أما ما يتعلّق بالمقاصد العقلية في هذاالمقام من الكلام فالبحث عنه يعتمد علىخمسة أركان: الاستعاذة و المستعيذ. والمستعاذ به. و المستعاذ منه. و ما يستعاذلأجله.
في البحث عن مهيّة الاستعاذة و ما يلتصقبها. و فيه إشارات:
إحداها إنّ الاستعاذة لا تتمّ الا بعلم وحال و عمل. أمّا العلم فهو علم العبد بنفسهو بكونه عاجزا عن جلب المنافع و دفعالمضارّ الدينية و الدنيوية، و بكون اللّهقادرا عليهما لا يقدر أحد سواه على ذلك. وإذا حصل هذا الإعتقاد في القلب تولد فيهحالة- و هي انكسار و تواضع له- و يعبّر عنتلك الحالة بالتضرّع إلى اللّه و الخضوعله. و إذا حصل ذلك حصلت صفة اخرى في القلب وصفة في اللسان. فالّتي في القلب أن يصيرالعبد ملتجئا إلى اللّه، مريدا لأن يصونهعن الآفات، و يخصّه بإفاضة الخيرات والحسنات. و أمّا الّتي في اللسان و هي أنيصير طالبا لذلك بلسانه معبّرا به عمّا فيجنانه. و ذلك هو الاستعاذة و هي قوله: أعوذباللّه.
إذا عرفت هذا ظهر لك انّ العمدة فيالاستعاذة باللّه هو علم العبد بنفسه وبربّه.
فما لم يعرف أحد عزّة الربوبيّة و ذلّةالعبودية لا يصح منه الاستعاذة باللّه والذي يوضح ذلك إنّ الصادر عن العبد إماالعمل و إما العلم و هو في كلا البابين فيغاية العجز. أما العلم فما أشدّ