لم يخلق اللّه هذه الأشياء لم يحصلالانتفاع بتلك الحنطة. فخالق تلك الحنطة والممكّن لنا من الانتفاع بحفظ هذه الأسبابحتّى يحصل الانتفاع هو الراحم.
قيل «1» في تقديم «الرحمن» على «الرحيم» والقياس يقتضي في ذكر النعوت الترقّي منالأدنى إلى الأعلى كقولهم: فلان عالمنحرير. و فلان شجاع باسل إنّه لما صاركالعلم كما مرّ يكون أولى بالتقديم. أولأنّ الرحمن لمّا دلّ على عظائم النعم وجلائلها و أصولها ذكر الرحيم ليتناول ماخرج منها فيكون كالتتمّة و الرديف. و إنّماوقع التسمية بهذه الأسماء دون غيرها ليدلّعلى أن الحريّ بالاستعانة به في مجامعالمهمّات هو المعبود الحقيقي الذي هو مولىالنعم و مبدأ الخيرات كلّها عاجلها وآجلها و جليلها و دقيقها ليتوجّه العارفبجميع قواه و مشاعره إلى جناب القدس وينقطع نظره عن ما سواه و يشغل سرّه بذكرمولاه و الاستمداد به في مقاصد أولاه وأخراه.
و اعلم: إنّ الأشياء أربعة أقسام: الضروريالنافع و النافع الغير الضروري و عكسه.
و الذي لا ضرورة فيه و لا نفع.
أمّا الأول: فهو إمّا في الدنيا فكالتنفّسفإنّه لو انقطع منك لحظة واحدة مات القالبو إما أن يكون في الآخرة فهو معرفة اللّهفإنّها إن زالت عن القلب لحظة واحدة ماتالقلب و استوجب العذاب الدائم.
و أمّا الثاني: فهو كالمال في الدنيا وساير العلوم في الآخرة.
و أمّا الثالث: فهو كالمضارّ التي لا بدمنها كالموت و المرض و الهرم و الفقر و لانظير لهذه القسم في الآخرة. فإنّ منافعالآخرة لا يلزمها شيء من المضارّ.
1) الكشاف: في تفسير البسملة: 1/ 37.