ثمّ ذكروا في الآية سؤالات و أجوبة: «1».
أحدها: إنّ مستوقد النار اكتسب لنفسه نوراو اللّه تعالى أذهب بنوره و تركه في ظلمات،و المنافق لم يكتسب خيرا و ليس له نور فماوجه التشبيه؟ و الجواب بوجوه:
الأول: بما قال السدى إن ناسا دخلوا فيالإسلام عند وصول النبي صلى الله عليهوآله إلى المدينة ثمّ نافقوا فهم بايمانهماكتسبوا نورا ثمّ بنفاقهم ثانيا أبطلواذلك النور و وقعوا في حيرة عظيمة.
أقول: و هذا ليس بشيء، لأن الايمان إنكان مجرّد الإقرار باللسان فليس بنور، وإن كان العرفان الحقيقي الحاصل بالبرهانفليس بقابل للزوال.
و الثاني بما ذكره الحسن: و هو انهم لماأظهروا الإسلام فقد ظفروا بحقن دمائهم وسلامة أموالهم عن الغنيمة، و أولادهم عنالسبي، و ظفروا بغنائم الجهاد و سائرأحكام المسلمين، عدّ ذلك نورا من أنوارالايمان، و لما كان ذلك بالإضافة إلىالعذاب الدائم قليل القدر، شبّههمبمستوقد النار الذي انتفع بضوءها قليلا،ثمّ سلب ذلك فدامت حيرته و حسرته للظلمةالتي جاء به في أعقاب النار. و كان يسيرانتفاعهم في الدنيا يشبه النور، و عظيمضررهم في الآخرة يشبه الظلمة.
الثالث أن يقال ليس وجه الشبه إن للمنافقنورا، بل شبّه حاله في تحيّره و و ظلمته فيالقيامة بحال المستوقد الذي زال نوره وبقي متحيّرا في طريقه المظلم.
الرابع إنّه صار ما يظهره المنافق من كلمةالايمان ممثّلا بالنور و ذهابه هو مايظهره لأصحابه من الكفر و النفاق، و إنّماسمّى مجرّد القول بتلك الكلمة نورا و إنكان القائل بها أظهر في تلك الساعةخلافها، لأنّه قول حقّ في نفسه.
الخامس: إنّه سمّى إظهار الكلمة نورالأنّه يتزيّن به ظاهره و يصير ممدوحابسببه
(1) راجع تفسير الفخر الرازي: 1/ 293، والكشاف: 1/ 149.