فصل [ما هو ضرب المثل]
قالوا «1» إنّ المقصود من ضرب المثال إنّهيؤثّر في القلوب ما لا يؤثّره وصف الشيءفي نفسه، و ذلك لأنّ الغرض تشبيه الخفيّبالجلي و الغائب بالشاهد فيتأكّد الوقوفعلى مهيّته و يصير الحسّ مطابقا للعقل، وذلك هو النهاية في الإيضاح، ألا ترى إنّالترغيب بالايمان و التزهيد عن الكفرمجرّدين عن ضرب المثل لا يتاكّد تأثيرهمافي القلب، و إذا مثّل الايمان بالنور والكفر بالظلمة يتاكّد تأثير حسن الايمان وقبح الكفر في القلب؟و لهذا كثّر اللّه في كتابه المبين و فيسائر كتبه ضرب الأمثال و قال: وَ تِلْكَالْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ [29/ 43] ومن سور الإنجيل «سورة الأمثال» «2».أقول: قد علمت إنّ حقيقة التمثيل ما هو، ودريت إنّ الغرض ليس مجرّد التأثير و الوقعفي النفس، بل بيان حقيقة الأمر و ملاكه وروحه، أو لا ترى إنّ الألفاظ المذكورة فيهذه الآية من النار و الاستيقاد و الإضائةو النور و الذهاب و الظلمات و غيرها كلّهامحمولة على الحقيقة مشهودة بنظر البصيرة،بل هي حقيقة أحوالهم الباطنة و التي همعليها من الأحوال و الأفعال الظاهرة هيمثال تلك الأحوال، كما قرّرنا من أنّ ما فيالدنيا أمثلة لما في الآخرة لكن المماثلةلما كانت من الجانبين يجوز استعمالها فيكلّ من الطرفين، إذ المثل في أصل كلامهمبمعنى المثل و هو النظير يقال: مثل و مثل ومثيل كشبه و شبه و شبيه، ثمّ قيل للقولالسائر الممثل مضربه بمورده مثل، و ربمااشترط أن يكون قولا فيه غرابة بوجه «3».
(1، 2) تفسير الفخر الرازي: 1/ 293.(3) الكشاف: 1/ 149.