المقدّمة الرابعة:
ان الوجودات الفائضة من الحقّ بعضها منعالم النور، و بعضها من عالم النار، وبعضها من عالم الظلمة و الدخان.أمّا التي هي من عالم النور فهي العقولالقادسة و النفوس الزكيّة، و الملائكةالعلويّة، و الأخيار من الجنّ.و أمّا التي هي من عالم النار فهي النفوسالخبيثة و الشياطين و الأشرار من الجنّ.و أمّا عالم الظلمة و الدخان فهي موادّهذا العالم من الأفلاك و لهذا قال تعالى:يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍمُبِينٍ [44/] و قال: ثُمَّ اسْتَوى إِلَىالسَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ [41/ 11] و قال: وَالْفَجْرِ وَ لَيالٍ عَشْرٍ [89/ 1] إشارةإلى موادّ الأفلاك التسع و مادّة العناصر.و قال: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [10/ 5] و قال:وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَالدُّنْيا بِمَصابِيحَ [67/ 5] فلو لا ضوءالشمس و نور القمر و مصابيح الكواكب لكانهذا العالم في ظلمة محضة لا أوحش منها.فاستنار هذا العالم بتلك الأنوار الحسيّةالمتعلّقة، و أمّا عالم الآخرة فلا يمكنأن يستنير بشيء من هذه الأنوار الحسيّة،بل لا بدّ في استنارتها من نور آخر من ضروبالأنوار المعنويّة:إما العلميّة فكما للمقربين. و إمّاالعمليّة فكما لأصحاب اليمين. كما قالتعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَأَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ [57/ 12] وقال: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواانْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْقِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْفَالْتَمِسُوا نُوراً [57/ 13].و أمّا عالم النار فليست ناره من جنس هذهالنار التي في الدنيا، فإنّ هذه ليست نارامحضة بل نارا مع مادّة مقداريّة كالحطب ونحوه و مع هيئة نوريّة حسيّة و وضع و شكلمحسوسين، و أمّا النار المحضة، فلا يكونمعها هذا الصفاء و الإشراق و التلألؤ واللمعان فإنّ هذه كلّها مسلوبة عن نارجهنّم، بل هي سوداء مظلمة كما ورد في الخبر«1».
(1) راجع الترغيب و الترهيب للمنذري: 6/ 241.