إنّ هذه القوى من الإنسان من فروعات جوهرهالعقلي بمنزلة أشعّة و أنوار لازمة لجوهرنورانيّ متعلق بالبدن كمصباح في بيت يقعمنه أنوار و أشعّة على جدرانه و سقوفه وزواياه و أكنافه، و كلّ من هذا القوى ينفعلو يستنير و يخرج من القوّة إلى الفعلبواسطة صور محسوسة يخصّها، فالبصربالمبصرات كالألوان، و السمع بالمسموعاتكالأصوات.و بالجملة الحسّ بالمحسوس يستنير و يخرجوجوده من القوّة إلى الفعل، و الخيالبالصور المتخيّلة يستنير و يقوى و يصير منحد النقص إلى حدّ الكمال و قد علمت انّ كلكمال و نور إنّما يحصل بضرب من التجرّد والبعد عن المادّة، و كلّ نقص و ظلمة إنّمايحصل بواسطة لصوق بالمادّة و قرب منها.و علمت إنّ مراتب الكمالات حسب مراتبالتجريدات، و وجود هذه القوى متقدّم بحسبالحدوث على وجود القوّة العقليّة تقدّمازمانيّا و بالطبع، و وجود القوّة العقليّةمتقدّم بقاء على وجودها تقدّما ذاتيّا وبالعليّة و الشرف، لأنّها من فروعها ومعاليلها عند تجوهر العقل و حصوله بالفعل،فالعاقلة مفتقرة إليها في أول النشأة، وعند أو ان الاستكمال و الحركة إلى المبدإالفعّال، و هي مفتقرة إليها في النشأةالثانية و بقاء الآخرة.فمن استكمل ذاته ما دام الكون الدنياويبنور الايمان و اليقين، قامت مع روحه جميعقواه و تنوّرت بنوره يوم الدين و حشرت معهيوم حشر الخلائق أجمعين.و من لم يستكمل ذاته هاهنا بنور الايمان ولم ينفتح بصيرة باطنه إلى عالم الروح والريحان لفرط جهالته و تراكم غشاوته وكثرة حجابه و كثافة نقابه، سلبت في الآخرةعنه قواه و حواسّه، و بقيت نفسه في ظلماتالهاوية و أدخنة السعير أصمّ و أبكم و أعمىقائلا بلسان الحال لِمَ حَشَرْتَنِيأَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَكَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [20/ 125].