و إنّما تثبت هذه الأوصاف لهذه النيرانالدنياويّة، لأنّها ليست نيرانا محضة بلفي مادّتها نار و نور سانح كما مرّ و أمّاالتي هي نار محضة، فتمامها إنّها صورةجوهريّة حارّة بالذّات محرّكة للموادّمحلّلة مذيبة للأجساد، محرقة موذية مهلكةقطّاعة نزّاعة مفسدة للصور الاتّصالية، وفساد الصور بوارها، فدار البوار هي محلظهور سلطان النار.
و أمّا عالم النور فهو محل ظهور الحقائقمن حيث إنّها حقائق و بقاؤها و سلطانها والأبواب إليها منسدّة إلّا من قبل آثارهاو من ناحية صورها المحسوسة و لهذا قيل: منفقد حسّا فقد علما.
و من تأمّل علم إنّ النيران التي عندنافمحلّ ناريّتها الحقيقية في الحقيقة دارالبوار لا دار القرار، لأن النار هيالمحلّلة المفرقة و هذا المحسوس من النارليس محرقا حقيقة و الذي يباشر الإحراق والتفريق حقّا و حقيقة هي نار مستورة عن هذهالحواسّ خارجة عن فكر الناس و القياسمرتبطة بهذا المحسوس و بغيره ارتباطا وهذا شيء يوافقنا علماء النظر لاعترافهمبأنّ الأثر لا يبقى بعد وجود ما هو الفاعلله حقيقة و إنّما الذي يبقى بعده الأثر فهوفاعل في علم الطبيعة و باصطلاح الطبيعيّينو ذلك يسمّى في علم ما بعد الطبيعة وباصطلاح الإلهييّن: «معدّا»، لا فاعلامفيدا.
فقد تبيّن و اتّضح إنّ ناريّة النار أيكونها محلّلة مزيلة للصورة، ليست حاصلةفيما يفارقه، و إنّ نار اللّه الكبرى لامستقرّ لها سوى دار البوار، لأنّ حقيقتهامنبعثة عن تنزّلات الأنوار الإلهيّة والعقليّة عند هبوطها عن عالم النور إلىعالم الاستحالة و الدثور فالطبيعةالناريّة سارية في كلّ المستحيلاتالجوهريّة.
و عندنا إنّ جميع الجواهر الماديّةسماويّة كانت أو أرضيّة سيّالة في ذاتهاقابلة للاستحالة الجوهريّة و التجدّد والذوبان بتأثير نيران الطبائع الغيرالمحسوسة، و هي نيران اخرويّة كامنة فيبواطن الأجسام الدنيويّة و النفسالأمّارة بالسوء أيضا نار موقدة تطّلع علىالأفئدة، و هي كلّها مولمة إلا إنّ بينالناس و بين إدراك المها حجابا.