مشاعره و قواه المدركة من وجهين، و يعرضللقوى الحسيّة شبه الدهش، و للموحى إليهشبه الغشي، ثمّ يرى و يسمع و يقع الإنباء«25».
فهذا معنى تنزيل الكلام و إنزال الكتاب منربّ العالمين، و علم منه وجه ما قيل: إنّالروح القدسيّة يخاطب الملائكة فياليقظة، و الروح النبويّة يعاشرها فيالنوم، و لكن يجب أن يفرق بين نوم الأنبياءو نوم غيرهم فإنّ نومهم عين اليقظة.
أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْمُدْهِنُونَ (81) وَ تَجْعَلُونَرِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) أ فأنتم بهذا الحديث الذي جاء من الغيبإلى الشهادة متهاونون.
و تقديم الظرف على عامله للاهتمام به والاعتناء بأمره للمبالغة في أنّ المداهنة-أي لين الجانب و عدم التصلّب في مثله- ممّايستغرب و يتعجّب منه، بخلاف غيره منالأحاديث التي تنشأ أوّلا من عالم المحسوسإلى السمع، ثمّ ترتقي إلى الباطن، فإنّأكثر الناس متخيّلهم يتبع محسوسهم، و كذامعقولهم يتبع متخيّلهم، و لذا قيل: «من فقدحسّا فقد فقد علما» و ذلك لعكوف أكثرالنفوس في عالم المحسوس، و ليس كذلك نفوسالأنبياء، فهم كما مرّ يرون و يسمعون فيباطنهم أوّلا من عالم الغيب ثمّ يتكلّمونبما شاهدوه.
و الرزق: ما يتغذّي و يتقوّي به العبد،سواء كان حراما أو حلالا، محسوسا أو غيرمحسوس. و ما قيل: «إنّ الحرام ليس من الرزق»معناه: إنّه
(25) الانتباه- نسخة.