مرجعها جميعا إلى العلم، بل لو نظرت فيجميع موارد استعمالات لفظة الحكمة لم تجدهخارجا عن العلم بحقائق الأشياء و العملبموجبها- و هو التجرّد عن الدنيا و ما فيها-و لهذا قيل في حدّها:
«إنّها التخلّق بأخلاق اللّه» أي: في الإحاطة بصور المجرّدات و التقدّسعن الماديّات.
و إليها الإشارة في الحديث عنه صلى الله عليه وآله من قوله:«تخلّقوا بأخلاق اللّه» أي: تشبّهوا به في هذين الأمرين.
ثمّ اعلم إنّ الحكمة لا يمكن خروجها منهذين المعنيين، و ذلك لأنّها كمالالإنسانيّة بلا شبهة، و كمال الإنسانمنحصر في شيئين: أحدهما أن يعرف الخيرلذاته. و الثاني أن يعرف الخير لأجل العملبه. فالمرجع بالأوّل إلى العلم و الإدراكالمطابق، و بالثاني إلى الفعل العدل.
و كمال هذين الأمرين في نوع الإنسان مرتبةالنبوة و الولاية، و قد حكى اللّه عنإبراهيم الخليل و هو شيخ الأنبياء عليهمالسلام إنّه قال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وهو الحكمة النظريّة وَ أَلْحِقْنِيبِالصَّالِحِينَ [26/ 83] و هو الحكمةالعمليّة.
و نادى موسى ربّه فقال: إِنَّنِي أَنَااللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا و هوالحكمة النظريّة، ثمّ إنّه قال:فَاعْبُدْنِي [20/ 14] و هو الحكمة العمليّة.
و قال عيسى عليه السّلام كما حكى اللّهعنه: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَالْكِتابَ- الآية- كلّ ذلك الحكمةالنظريّة، ثمّ قال: وَ أَوْصانِيبِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُحَيًّا [19/ 31] و هو الحكمة العمليّة.
و قال اللّه سبحانه آمرا برسوله الخاتم وحبيبه صلى الله عليه وآله:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّااللَّهُ و هو الحكمة النظريّة، ثمّ قال: وَاسْتَغْفِرْ