فالتخلّق بأخلاقه صلى الله عليه وآلهممّا يوجب للعبد استعدادا لقبول المعارفالإلهيّة الفائضة على قلبه صلى الله عليهوآله على سبيل الانعكاس منه على قلب هذاالعبد المطيع للّه و لرسوله، لقوله: مَنْيُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ[4/ 80].
و أمّا من لم يكن متأدّبا بآدابه، متخلّقابأخلاقه و لا مهتديا بهداه ضميرا واعتقادا، سواء تكلّف في ذلك ظاهرا كأكثرالمنتحلين بمذهبه من غير بصيرة باطنيّة ولا انقياد سرّي، أو كان من المنكرينالجاحدين رأسا، فحالهم ما كشف عنه تعالىبقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْلا يُؤْمِنُونَ [2/ 6] فالتزكية و التعليم لاينجع معهم لأنّ نفعه مختصّ بالمؤمنين، وإن كان نور الهداية و الرحمة ينتشر منه علىالعالمين (12) لقوله تعالى: وَ ماأَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةًلِلْعالَمِينَ [21/ 107].
و الدعوة أيضا شاملة لكافّة المكلّفينإلّا أنّ نصيب النفوس الكدرة و الأوهامالعسوفة منها ليس إلّا الوحشة و العمى والظلمة و الضلال و الخسران و الوبال، وعليه جرى القلم و نفذ فيه حكم القضاء الحتمو القدر و المبرم، و لذلك خلقهم وَ تَمَّتْكَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لامُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ [6/ 115] لأنّ نظامالعالم لا يتمشّى إلّا بنفوس غلاظ شداد، ولا ينصلح العمارة في الدنيا إلّا بطبائعجسمانيّة لا يعملون أعمالا حسيّة بحسب مايجبلون «1» عليه من الدواعي الشهويّة والصوارف الغضبيّة و الأغراض البهيميّة والسبعيّة.
ثمّ العجب أنّ نفس التزكية و التعليم كمايوجب الفضل الجسيم للقلوب
(1) ما يحملون- نسخة.