لا يحتاج إليه فكان حريّا بهذا المثل، وكذا من تدبّر في إعراب ألفاظه و دقائقعربيّته و نكاته البديعيّة- و هو بمعزل عنأسرار حكمته و مقاصده الأصليّة من المعارفالإلهيّة و العلوم الربّانيّة، و أسرارالمبدأ و المعاد، و علم الروحانيّين والملائكة و الشياطين، و كيفيّة الوحي والتنزيل، و علم النفس و معرفة الروح وورودها إلى هذا العالم، و وردّها إلى أسفلسافلين، ثم عودها و رجوعها إلى باريها ومبقيها إما راضية مرضيّة- إن آمنت و عملتالصالحات- أو ناكسة منكوسة منحوسة محجوبةمظلمة- إذا جحدت و عملت السيّئات- و كيفيّةنشوء الآخرة من الدنيا، و أحوال القبر والبعث و الحشر و النشر، إلى غير ذلك منالمعارف التي هي الغرض الأصلي من إنزالالكتاب و الوحي و الإلهام و الخطاب.
فمن لم يطلع من القرآن إلّا على تفسيرالألفاظ، و تبيين «1» اللغات، و دقائقالعربيّة و فنون الأدبيّة و علم الفصاحة والبيان و علم بدائع اللسان، و هو عند نفسهإنّه من علم التفسير في شيء، و إنّالقرآن إنّما انزل لتحصيل هذه المعارفالجزئيّة- فهو أحرى بهذا التمثيل ممّن لاخبر له أصلا، لا من إعراب الألفاظ، و لا منحقائق المعاني، مع اعترافه بعجزه و قصوره.
و ممّا انشد في هذا الباب شعر أبو سعيدالضرير «2» حيث قال:
(1) تبين- نسخة. (2) نسبه المبرد الى مروان بن سليمان بنيحيى يهجو قوما من رواة الشعر (الكامل: 3/ 857)و فيه: لعمرك ما يدري إذا غدا باوساقة ....... (3) الزاملة: بعير تحمل المتاع.