و قوله: لا يُنْزِفُونَ إن كان بفتح«الزاء» فمعناه: لا يذهب عقولهم بالسكركما في قوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ وَ لاهُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ [37/ 47] و هذا فيقرائة الكوفيّين غير عاصم.
و إن كان بكسر الزاء- كما في قرائةالباقين- فالمعنى لا يفنى شرابهم الروحانيو لا تزول نشأة مدامهم الحبّي الإلهيّ، إذمنبعه منبع فيض الوجود «17» الأبدي و عينماء الحيوة السرمدي الذي لن يبرح من اسكوبالفضل سائلا مائلا و من منبع الإفاضة والرحمة طائلا نائلا.
وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) يتخيّرون: يأخذون خيره. يقال: تخيّرتالشيء: أخذت خيره و أفضله.
و يشتهون: يتمنّون. فإنّ أهل الجنّة إذاتخيّروا شيئا و اشتهوه خلقه اللّه دفعة،فإذا تمّنوا فاكهة- أي فاكهة كانت- تكوّنتبإذن اللّه كما تخيّروه. و إذا تمنّوا لحمالطير النضيج خلق اللّه لهم لحم الطيرنضيجا من غير حاجة إلى ذبح الطير و إيلامه.
قال ابن عبّاس رضى اللّه عنه: يخطر علىقلبه الطير فيصير «18» ممثّلا بين يديه علىما اشتهى.
و هذا علم غفل عنه الأكثرون و أدركهالمكاشفون إدراكا علميّا ذوقيّا بعد أناعتقدوه اعتقادا ايمانيّا، و ربما يبلغالعارف إلى مقام يقال له «مقام كن»
(17) الفيض الجود- نسخة. (18) مجمع البيان: 9/ 216. و في نسخة: فيطير.