فمن عرف اللّه انمحقت عنه الهموم والدواعي، سواء كانت من باب الدرهم والدينار، أو من باب الجنّة و النار، أو منباب البحث و التكرار و الصيت و الاشتهار، واضمحلّت عنه الشهوة و الغضب و قهرتشويشهما. فغلبة المعرفة باللّه مبدأ كلّحبّ و طلب، فلا داعي له سوى اللّه جلبمنفعة أو دفع مضرّة، فلو القي في النار لميحسّ بها، و لو عرض عليه نعيم الجنّة لميلتفت إليها، فكيف إلى هذه اللذاتالمخدجة.
و لهذا قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما عبدتكخوفا من نارك، و لا طمعا في جنّتك، بلوجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.
و قال بعض العرفاء: إن أدخلني اللّهالجنّة بمرادي فويل لي، و إن أدخلني الناربمراده فنعم الحبس.
و قال أبو سليمان الداراني: إنّ للّهعبادا ليس يشغلهم عن اللّه خوف النار ورجاء الجنّة، فكيف تشغلهم الدنيا عناللّه؟ و قال بعض إخوان المعروف الكرخي له: أخبرأيّ شيء أهاجك إلى العبادة و التفرّد عنالخلق؟ فسكت.
فقال: ذكر الموت؟ فقال له: و أيّ شيءالموت؟ فقال: ذكر القبر و البرزخ؟ فقال: أيّ شيءمن هذا؟ فقال: خوف النار و رجاء الجنّة؟ فقال: وأيّ شيء من هذا- فقال إنّ ملكا بيده هذهكلّها إن أحببته أنساك جميع ذلك. و إن كانتبينه و بينك معرفة كفاك جميع هذا «7».
(7) راجع الأقوال المنقولة في احياء علومالدين 4/ 310 و 311. و قوت القلوب: 2/ 56 و 57.