في عرفهم فيكون هذا حاله- و إن كان بعد فيالدنيا- مثل حال أهل الجنّة، فما يقوللشيء «كن» إلّا و يكون.
و روي عن النبي صلى الله عليه وآله: إنّهقال- حين كان في غزوة تبوك-: كن أبا ذر. فكانأبا ذر «19».
و ذلك لأنّ اللّه قد حوّل باطنه في النشأةالاخرويّة، بل ما من عارف باللّه من حيثالتجلّي الإلهيّ إلّا و هو قبل «20» النشأةالآخرة قد حشر في دنياه و نشر في قبره، فهويرى ما لا يراه الناس و يشاهد ما لايشاهدون و يفعل ما لا يفعلون عناية مناللّه ببعض عباده- كما أعرب عنه بعضالعرفاء حكاية عن نفسه «21».
و بيانه ممّا يحتاج إلى اظهار لمعة منعلوم المكاشفة قريبة المأخذ من علومالمناظرة، و هو إنّ اللّه- سبحانه- قد خلقالنفس الإنسانية و أبدعها مثالا له ذاتا وصفة- و لله المثل الأعلى- و فعلا مع التفاوتالعظيم بين المثال و الممثّل له، و لذلكجعل معرفتها وسيلة إلى معرفته كما يدلّعليه الحديث المشهور:
«من عرف نفسه فقد عرف رّبه» «22».
فهي قد أبدعت مفتاحا لمعرفة اللّه تعالىذاتا و صفة و أفعالا، لكونها مثالا لهكذلك، أما الذات فقد خلقها الباري وجودانوريّا مفارقا عن الأجرام
(19) السيرة النبوية لابن هشام: ذكر غزوةتبوك، ج 2 ص 254. (20) على- نسخة. (21) راجع الحديث عن الحارثة بن النعمان فيالكافي: (2/ 54) باب حقيقة الايمان و اليقين. (22) مصباح الشريعة: ص 41، و نسبه ابن أبيالحديد 4/ 547 الى علي عليه السّلام.