فقد ظهر أنّ اللّه تعالى لسابق قضائهالأزلي نظّم ترتيب العالم الاخرويّ علىوفق نظامه للعالم الدنيوي، فكما أنّ بعضالناس بحسب الحالة الدنياويّة سعيد وبعضهم شقيّ، فهكذا في الآخرة بعضهم سعداءأخيار و بعضهم أشقياء أشرار. كلّ ذلك يدلّعلى علمه بوجه النظام الأوفق و قدرته علىإيجاد كلّ مرتبة من الوجود و إعطائه لكلّشخص ما هو له أليق.
و كما أنّ السعادة قسمان: دنيويّة واخرويّة. و الدنيويّة قسمان: داخليّة-كالصحّة و السلامة- و خارجيّة- كترتّبأسباب المعاش و حصول ما يحتاج إليه منالمال و الجاه-.
و الاخرويّة أيضا قسمان: علميّة- كالمعارفو الحقائق- و عمليّة- كالطاعات و الخيرات-.
فكذلك يتعدّد أقسام الشقاوة بإزائها،لكنّ السعادة و الشقاوة بحسب العلم والجهل ذاتيّتان أزلا و أبدا، مخلّدتاندائما و سرمدا: و أمّا بحسب الأعمال الحسنةو السيّئة فيترتّب عليها المجازاة والمكافات، و يتقدر بحسبها المثوبات والعقوبات، كقوله تعالى: جَزاءً بِماكانُوا يَكْسِبُونَ [9/ 82] فلا يكون أصحابهذه الشقاوة مخلّدة إلّا ما شاء اللّه، ويتركّب بعضها مع بعض و يتفرّد، إلّا أنأكثر السيّئات و أكبرها يتبع الجهلالمركب، و أغلب الحسنات و أعظمها يتبعالعلم.
و لهذا قد وقعت أوّلا الإشارة إلى قسمةالخلق بالسعادة و الشقاوة اللتين بحسبالعلم و الجهل- المعبّر عنهما بالتّذكر والتجنّب- إلى من يخشى بسبب تذكّره الأمورالآخرة، و إلى من لا يخشى بجهله و غفلتهعنها، و بيّنت و خامة عاقبة الموصوفبشقاوة الجهل بأشدّ وجه حيث عبّر عنهبصيغة التفضيل،