ما ورائها، مع استحالة الوصول إلى لذّة لايكون ورائها لذّة فوقها، و هذه بخلاف لذّةالآخرة، إذ فيها ما تشتهي الأنفس و تلذّالأعين، و لكلّ واحد من أهل الآخرة ما يبلغإليه همّته و يصل إليه قصده و شهوته.
و ثالثها: إنّ اللذّة الدنياويّة مشتركةفيما بين الناس و البهائم و الديدان والخنافس، و اللذات الاخرويّة مشتركة فيمابين أفاضل الناس من الأنبياء و الأولياء والسعداء و أفاضل الملائكة.
و رابعها: إنّ هذه اللذات الدنياويّة لوكانت خيرات حقيقيّة و سعادات لكانت كلّماكانت أكثر، كانت الفائز بها أكمل وسعادتها أكثر، و معلوم إنّه ليس كذلك،لأنا لو فرضنا رجلا من العقلاء لا همّ له«5» إلا الأكل و الشرب و الوقاع، و كان مدّةعمره مقصورا على تحصيل هذه المهمّات لكانعند العقلاء منسوبا إلى الخسّة و الدنائة،و إلى أنّه كالبهيمة. و أمّا من كان إعراضهعن هذه الأحوال أشدّ و بعده عنها أكثر كانإلى الكمال و الشرف أقرب، و إلىالروحانيّات و أهل اللّه أنسب، و بهم أشبه.
فعلم من ذلك أنّ اللذات الاخرويّة و ماعند اللّه خير عند أولى الألباب و ذويالآراء الصحيحة من اللذات الدنيويّة، ولهذا السبب كان الإنسان لا يقدم علىالجماع عند حضور الناس، فلو كانت تلكاللذات من باب الكمال لكان إظهاره أولى منإخفائه لا محالة.
و كذا لا يفتخر العاقل بكثرة الأكل والشرب و يفتخر بالعلم- و لو في شيء خسيس- ويفرح به، و يغتمّ بالجهل- و لو في شيءحقير- و حتّى أنّ الإنسان لا يكاد يتجاوزعن التحدّي بالعلم و الافتخار به فيالأشياء الحقيرة،
(5) لا يتم له- نسخة.