و يحتمل أن يكون التحضيض على البحث، أي:لمّا علمتم بالخلق فهلّا تصدّقون بإمكانالبعث، لأنّ من خلق أوّلا لا يمتنع عليه أنيخلق ثانيا كما في قوله: وَ لَقَدْعَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىفَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ.
أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُالْخالِقُونَ (59) «6» هذا يرجّح المعنى الأوّل لقوله: فلولاتصدّقون. إذ فيه تنبيه على أنّ جهلهمبالبعث لجهلهم بالخلق، و لو علموا بكيفيّةالإيجاد لعلموا بكيفيّة الإعادة، و ذلكلأنّ القوم زعموا إنّ الفاعل ما يفعلبحركة و مباشرة، فكلّ من يباشر حركة أويستعمل جسما حتّى يتهيّأ لفيضان شكل أوصورة من الواهب الحقيقي، فهم يسمّون ذلكالمحرّك فاعلا. و لهذا يظنّون الأب فاعلاللابن، و الممني فاعلا للمني، و الزارعفاعلا للزرع، و البنّاء فاعلا للبناء.
فهكذا تصوّروا فاعليّة الفاعل الأوّل جلّاسمه فوقعوا في الشرك، و اللّه سبحانهنبّه على فساد ظنّهم و بطلان عقيدتهم بأنّالممني ليس علّة للمني و لا البنّاء علّةللبناء و لا الزارع للزرع، بل حركة كلّمنهم علّة لحركة شيء آخر، و ذلك الشيءيصير مادّة بتلك الحركة، مستعدّة لأنيكسوها فاعل الكلّ صورة أو شكلا.
أمّا الأب: فهو علّة لحركة المني، و حركةالمني إذا انتهت على الجهة المذكورة تأدّتلحصول المني في القرار، و أمّا تصويرهحيوانا أو إنسانا و بقاؤه
(6) فسّر المصنف (قده) هذه الآيات في كتابه«المبدإ و المعاد» ص 414 و ما بعده ايضا،فراجع.