و مقاصد عظيمة في معرفة نفوس العباد، ودرجاتها بحسب حالاتها في الدار الآخرة، وأقسامها من جهة السعادة و الشقاوة فيالنشأة الباقية. و علوم الآخرة ممّا يختصّبدركها عرفاء هذه الملّة و حكمائهاالراسخون، و ليس لغيرهم من المتكلّمين والفقهاء إلّا سماع «3» الألفاظ و التصرّففي مفهوماتها.
و جمهور الحكماء بعلومهم الفلسفيّة عنإدراك أحوال المعاد معزولون «4»- حتّى أنّرئيسهم أبا علي اعترف بالعجز و القصور عنفهم المعاد الجسماني- و كذلك المجتهدون فيمسائل الاعتقاد منخرطون في سلك التقليد معساير العباد.
و إنّي كنت سالفا كثير الاشتغال بالبحث والتكرار، و شديد المراجعة إلى مطالعة كتبالحكماء النظّار، حتّى ظننت أنّي عليشيء. فلمّا انفتحت بصيرتي قليلا و نظرتإلى حالي، رأيت نفسي- و إن حصّلت شيئا منأحوال المبدإ و تنزيهه عن صفات الإمكان والحدثان، و شيئا من أحكام المعاد لنفوسالإنسان- فارغة من علوم الحقيقة و حقايقالعيان، ممّا لا يدرك إلّا بالذوق والوجدان، و هي الواردة في الكتاب و السنّةمن معرفة اللّه و صفاته و أسمائه و كتبه ورسله، و معرفة النفس و أحوالها من القبر والبعث و الحساب و الميزان و الصراط و الجنةو النار- و غير ذلك- مما لا تعلم حقيقتهإلّا بتعليم اللّه، و لا تنكشف إلّا بنورالنبوة و الولاية.
و الفرق بين علوم النظّار و بين علوم ذويالأبصار كما بين أن يعلم أحد حدّ الحلاوة وبين أن يذوق الحلاوة، و كم بين أن تدرك حدّالصحّة و السلطنة و بين أن تكون صحيحاسلطانا، و كذلك مقابل هذه المعاني.
(3) اسماء- نسخة. (4) معتزلون- نسخة.