میزان الحکمه

محمد محمدی ری شهری؛ ترجمه حمیدرضا شیخی

جلد 11 -صفحه : 340/ 35
نمايش فراداده

19129- تفسير العيّاشي عن أبي جعفرٍ و أبي عبدِ اللّه ِ عليهما السلام في قولِ اللّه ِ : «و كذلكَ ...» فقالَ أبو جعفرٍ عليه السلام : كُشِطَ لَهُ عنِ السَّماواتِ حتّى نَظَرَ إلَى العَرشِ و ما علَيهِ . قالَ : و السَّماواتُ و الأرضُ و العَرشُ و الكُرسِيُّ ! فقالَ أبو عبدِ اللّه ِ عليه السلام : كُشِطَ لَهُ عنِ الأرضِ حتّى رآها ، و عنِ السَّماءِ و ما فيها ، و المَلَكِ الّذي يَحمِلُها ، و الكرسِيِّ و ما علَيهِ . (1)

التّفسير

قوله تعالى : «و كذلكَ نُري إبراهِيمَ مَلَكوتَ السَّماواتِ و الأرضِ...»

إلخ ، ظاهر السياق أن تكون الإشارة بقوله : «كذلك»

إلى ما تضمّنته الآية السابقة : «و إذْ قالَ إبراهيمُ لِأبيهِ آزَرَ أ تَتَّخِذُ أصْناما آلهَةَ إنّي أراكَ...» (2)

إلخ ، أنّه عليه السلام اُري الحقّ في ذلك ، فالمعنى : على هذا المثال من الإراءة نُري إبراهيم مُلك السماوات و الأرض .

و بمعونة هذه الإشارة و دلالة قوله في الآية التالية : «فلَمّا جَنَّ علَيهِ اللّيلُ»

الدالّة علَى ارتباط ما بعده بما قبله ، يظهر أنّ قوله : «نُري»

لحكاية الحال الماضية كقوله تعالى : «و نُريدُ أنْ نَمُنَّ علَى الّذينَ اسْتُضعِفوا في الأرضِ» (3)

فالمعنى : أنّا أرينا إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض فبعثه ذلك أن حاجّ أباه و قومه في أمر الأصنام و كشف له ضلالهم ، و كنّا نمدّه بهذه العناية و الموهبة و هي إراءة الملكوت ، و كان على هذه الحال حتّى جنّ عليه الليل و رأى كوكبا.

و بذلك يظهر أنّ ما يتراءى من بعضهم : أنّ قوله : «و كذلكَ نُري...»

إلخ، كالمعترضة لا يرتبط بما قبله و لا بما بعده ، و كذا قول بعضهم : إنّ إراءة الملكوت أوّل ما ظهر من أمرها في إبراهيم عليه السلام أنّه لمّا جنّ عليه الليل رأى كوكبا ... إلخ ، فاسد لا ينبغي أن يُصار إليه .

و أمّا ملكوت السماوات و الأرض، فالملكوت هو المُلك مصدر كالطاغوت و الجَبَروت ، و إن كان آكد من حيث المعنى بالنسبة إلَى الملك كالطاغوت و الجبروت بالنسبة إلَى الطغيان و الجبر أو الجبران .

و المعنَى الذي يستعمله فيه القرآن هو المعنَى اللُّغويّ بعينه من غير تفاوت كسائر الألفاظ المستعملة في كلامه تعالى ، غير أنّ المصداق غير المصداق ؛ و ذلك أنّ الملك و الملكوت و هو نوع من السلطنة إنّما هو فيما عندنا معنىً افتراضيّ اعتباريّ بعثنا إلَى اعتباره الحاجة الاجتماعيّة إلى نظم الأعمال و الأفراد نظما يؤدّي إلَى الأمن و العدل و القوّة الاجتماعيّات ، و هو في نفسه يقبل النقل و الهبة و الغصب و التغلّب كما لا نزال نشاهد ذلك في المجتمعات الإنسانيّة .

و هذا المعنى على أنّه وضعيّ اعتباريّ و إن أمكن تصويره في مورده تعالى من جهة أنّ الحكم الحقّ في المجتمع البشريّ للّه سبحانه كما قال تعالى : «إنِ الحُكْمُ إلاّ للّه ِ» (4)

و قال : «لَهُ الحَمْدُ في الاُولى و الآخِرَةِ و لَهُ الحُكْمُ» (5)

لكن تحليل معنى هذا الملك الوضعيّ يكشف عن ثبوت ذلك في الحقائق ثبوتا غير قابل للزوال و الانتقال ، كما أنّ الواحد منّا يملك نفسه بمعنى أنّه هو الحاكم المسلّط المتصرّف في سمعه و بصره و سائر قواه و أفعاله ؛ بحيث إنّ سمعه إنّما يسمع و بصره إنّما يبصر بتبع إرادته و حكمه ، لا بتبع إرادة غيره من الأناسيّ و حكمه . و هذا معنىً حقيقيّ لا نشكّ في تحقّقه فينا مثلاً تحقّقا لا يقبل الزوال و الانتقال كما عرفت . فالإنسان يملك قوى نفسه و أفعال نفسه و هي جميعا تبعات وجوده قائمة به غير مستقلّة عنه و لا مستغنية عنه ، فالعين إنّما تبصر بإذن من الإنسان الذي يبصر بها ، و كذا السمع يسمع بإذن منه ، و لو لا الإنسان لم يكن بصر و لا إبصار و لا سمع و لا استماع ، كما أنّ الفرد من المجتمع إنّما يتصرّف فيما يتصرّف فيه بإذن من الملك أو وليّ الأمر . و لو لم تكن هذه القوّة المدبّرة التي تتوحّد عندها أزمّة المجتمع لم يكن اجتماع ، و لو منع عن تصرّف من التصرّفات الفرديّة لم يكن له أن يتصرّف و لا نفذ منه ذلك . و لا شكّ أنّ هذا المعنى بعينه موجود للّه سبحانه الذي إليه تكوين الأعيان و تدبير النظام ، فلا غنى لمخلوق عن الخالق عزّ اسمه لا في نفسه و لا في توابع نفسه من قوى و أفعال ، و لا استقلال له لا منفردا و لا في حال اجتماعه مع سائر أجزاء الكون و ارتباط قوى العالم و امتزاج بعضها ببعض امتزاجا يكوّن هذا النظام العامّ المشاهد .

قال تعالى : «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ» (6) ، و قال تعالى : «للّه ِ مُلْكُ السَّماواتِ و الأرضِ» (7)

و قال تعالى : «تَبارَكَ الّذي بِيَدِهِ المُلْكُ و هُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ * الّذي خَلَقَ المَوتَ و الحَياةَ ـ إلى أن قال ـ الّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقا» (8)

و الآيات ـ كما ترى ـ تُعلّل الملك بالخلق ، فكون وجود الأشياء منه و انتساب الأشياء بوجودها و واقعيّتها إليه تعالى هو المِلاك في تحقّق ملكه ، و هو بمعنى ملكه الذي لا يشاركه فيه غيره و لا يزول عنه إلى غيره ، و لا يقبل نقلاً و لا تفويضا يغني عنه تعالى و ينصب غيره مقامه .

و هذا هو الذي يفسّر به معنى الملكوت في قوله :

«إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيئا أنْ يَقولَ لَهُ كُنْ فيَكونُ * فسُبْحانَ الّذي بِيَدِهِ مَلَكوتُ كُلِّ شَيءٍ» (9)

فالآية الثانية تبيّن أنّ ملكوت كلّ شيءٍ هو كلمة «كُن» الّذي يقوله الحقّ سبحانه له ، و قولُه فعلُه ، و هو إيجاده له .

فقد تبيّن أنّ الملكوت هو وجود الأشياء من جهة انتسابها إلَى اللّه سبحانه و قيامها به ، و هذا أمر لا يقبل الشِّركة و يختصّ به سبحانه وحده ، فالربوبيّة التي هي الملك و التدبير لا تقبل تفويضا و لا تمليكا انتقاليّا .

و لذلك كان النظر في ملكوت الأشياء يهدي الإنسان إلَى التوحيد هداية قطعيّة ، كما قال تعالى :

«أ وَ لَم يَنْظُروا في مَلَكوتِ السَّماواتِ و الأرضِ وَ ما خَلَقَ اللّه ُ مِنْ شَيءٍ و أنْ عَسى أنْ يَكونَ قدِ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ فبَأيِّ حَديثٍ بَعْدَهُ يُؤمِنونَ» (10)

و الآية ـ كما ترى ـ تحاذي أوّل سورة الملك المنقول آنفا . فقد بان أنّ المراد بإراءة إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض ـ على ما يعطيه التدبّر في سائر الآيات المربوطة بها ـ هو توجيهه تعالى نفسه الشريفة إلى مشاهدة الأشياء من جهة استناد وجودها إليه ، و إذ كان استنادا لا يقبل الشِّركة لم يلبث دون أن حكم عليها أن ليس لشيءٍ منها أن يربَّ غيره و يتولّى تدبير النظام و أداء الاُمور ، فالأصنام تماثيل عملها الإنسان و سمّاها أسماء لم ينزِّل اللّه عليها من سلطان ، و ما هذا شأنه لا يربّ الإنسان و لا يملكه و قد عملته يد الإنسان . و الأجرام العلويّة كالكوكب و القمر و الشمس تتحوّل عليها الحال فتغيب عن الإنسان بعد حضورها ، و ما هذا شأنه لا يكون له الملك و تولِّي التدبير تكوينا كما سيجيء بيانه .

قوله تعالى : «و لِيَكونَ مِنَ المُوقِنينَ»

اللام للتعليل ، و الجملة معطوفة على اُخرى محذوفة ، و التقدير : ليكون كذا و كذا و ليكون من الموقنين . و اليقين هو العلم الذي لا يشوبه شكّ بوجه من الوجوه ، و لعلّ المراد به أن يكون على يقين بآيات اللّه على حدّ ما في قوله :

«و جَعَلْنا مِنْهُم أئِمَّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا لَمَّا صَبَروا و كانُوا بآياتِنا يُوقِنونَ» (11)

و ينتج ذلك اليقين بأسماء اللّه الحسنى و صفاته العُليا.

و في معنى ذلك ما أنزله في خصوص النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال :

«سُبْحانَ الّذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيلاً مِن المَسْجِدِ الحَرامِ إلَى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذي بارَكْنا حَولَهُ لِنُريَهُ مِن آياتِنا» (12)

و قال : «ما زاغَ البَصَرُ و ما طَغى * لَقَدْ رأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكُبْرى» (13)

و أمّا اليقين بذاته المتعالية فالقرآن يجلّه تعالى أن يتعلّق به شكّ أو يحيط به علم ، و إنّما يسلّمه تسليما .

و قد ذكر في كلامه تعالى من خواصّ العلم اليقينيّ بآياته تعالى انكشاف ما وراء ستر الحسّ من حقائق الكون على ما يشاء اللّه تعالى ، كما في قوله : «كلاّ لَو تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ» (14)

و قوله : «كلاّ إنّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيّينَ * و ما أدراكَ ما عِلِّيّونَ * كِتابٌ مَرْقومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبونَ» (15)

1-تفسير العيّاشي : 1/364/35 .

2-الأنعام : 74 .

3-القصص : 5 .

4-الأنعام : 57 .

5-القصص : 70 .

6-آل عمران : 26 .

7-المائدة : 120 .

8-الملك : 1 ـ 3 .

9-يس : 82 ، 83 .

10-الأعراف : 185 .

11-السجدة : 24 .

12-الإسراء : 1.

13-النجم : 17 ، 18 .

14-التكاثر : 5 ، 6 .

15-الميزان في تفسير القرآن : 7/169، و الآيات من سورة المطفّفين : 18ـ21.