أن يضمر خلافه، و أن يعرض في كل ما يقول،فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوالالقلوب.
هو أنه لو أفصح بالإيمان و الحق حيث يجوزله التقية كان ذلك أفضل، و دليله ما ذكرناهفي قصة مسيلمة.
أنها إنما تجوز فيما يتعلق بإظهارالموالاة و المعاداة، و قد تجوز أيضاًفيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجعضرره إلى الغير كالقتل و الزنا و غصبالأموال و الشهادة بالزور و قذف المحصناتو اطلاع الكفار على عورات المسلمين، فذلكغير جائز ألبتة.
ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل معالكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي رضياللّه عنه أن الحالة بين المسلمين إذاشاكلت الحالة بين المسلمين و المشركين حلتالتقية محاماة على النفس.
التقية جائزة لصون النفس، و هل هي جائزةلصون المال يحتمل أن يحكم فيها بالجواز،لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «حرمة مالالمسلم كحرمة دمه» و لقوله صلّى الله عليهوسلّم: «من قتل دون ماله فهو شهيد» و لأنالحاجة إلى المال شديدة و الماء إذا بيعبالغبن سقط فرض الوضوء، و جاز الاقتصارعلى التيمم دفعاً لذلك القدر من نقصانالمال، فكيف لا يجوز ههنا و اللّه أعلم.
قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتاً في أولالإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوةدولة الإسلام فلا، و روى عوف عن الحسن: أنهقال التقية جائزة للمؤمنين إلى يومالقيامة، و هذا القول أولى، لأن دفع الضررعن النفس واجب بقدر الإمكان.
ثم قال تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُنَفْسَهُ
و فيه قولانالأول: أن فيه محذوفاً، والتقدير: و يحذركم اللّه عقاب نفسه، و قالأبو مسلم المعنى وَ يُحَذِّرُكُمُاللَّهُ نَفْسَهُ أن تعصوه فتستحقواعقابه و الفائدة في ذكر النفس أنه لو قال: ويحذركم اللّه فهذا لا يفيد أن الذي أريدالتحذير منه هو عقاب يصدر من اللّه أو منغيره، فلما ذكر النفس زال هذا الاشتباه، ومعلوم أن العقاب الصادر عنه يكون أعظمأنواع العقاب لكونه قادراً على ما لانهاية له، و أنه لا قدرة لأحد على دفعه ومنعه مما أراد.
و القول الثاني: أن النفس ههنا تعود إلىاتخاذ الأولياء من الكفار، أي ينهاهماللّه عن نفس هذا الفعل.
ثم قال: وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ
و المعنى: إن اللّه يحذركم عقابه عندمصيركم إلى اللّه.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْأَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِيالْأَرْضِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّشَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
إعلم أنه تعالى لما نهى المؤمنين عن اتخاذالكافرين أولياء ظاهراً و باطناً و استثنىعنه التقية في الظاهر أتبع ذلك بالوعيدعلى أن يصير الباطن موافقاً للظاهر في وقتالتقية، و ذلك لأن من أقدم عند التقية علىإظهار الموالاة، فقد يصير إقدامه على ذلكالفعل بحسب الظاهر سبباً لحصول تلكالموالاة في الباطن، فلا جرم بيّن تعالىأنه عالم بالبواطن كعلمه بالظواهر، فيعلمالعبد أنه لا بد أن يجازيه على كل ما عزمعليه في قلبه، و في الآية سؤالات: