مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 102
نمايش فراداده

تعالى حكم بأن الذين كفروا بعد إيمانهميمنعهم اللّه تعالى من هدايته، ثم بيّن أنالأمر غير مقصور عليه، بل كما لا يهديهم فيالدنيا يلعنهم اللعن العظيم و يعذبهم فيالآخرة، على سبيل التأبيد و الخلود.

و اعلم أن لعنة اللّه، مخالفة للعنةالملائكة، لأن لعنته بالإبعاد من الجنة وإنزال العقوبة و العذاب و اللعنة منالملائكة هي بالقول، و كذلك من الناس، و كلذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم و كفرهم فصح أنيكون جزاء لذلك و ههنا سؤالان:

السؤال الأول: لم عم جميع الناس و منيوافقه لا يلعنه؟.

قلنا: فيه وجوه‏الأول: قال أبو مسلم له أنيلعنه و إن كان لا يلعنه‏الثاني: أنه فيالآخرة يلعن بعضهم بعضاً قال تعالى:كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْأُخْتَها [الأعراف: 38] و قال: ثُمَّ يَوْمَالْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْبِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً[العنكبوت: 25] و على هذا التقدير فقد حصلاللعن للكفار من الكفارو الثالث: كأنالناس هم المؤمنون، و الكفار ليسوا منالناس، ثم لما ذكر لعن الثلاث قال:أَجْمَعِينَ الرابع: و هو الأصح عندي أنجميع الخلق يلعنون المبطل و الكافر، ولكنه يعتقد في نفسه أنه ليس بمبطل و لابكافر، فإذا لعن الكافر و كان هو في علماللّه كافرا، فقد لعن نفسه و إن كان لايعلم ذلك.

السؤال الثاني: قوله خالِدِينَ فِيها أيخالدين في اللعنة، فما خلود اللعنة؟.

قلنا: فيه وجهان‏الأول: أن التخليد فياللعنة على معنى أنهم يوم القيامة لا يزاليلعنهم الملائكة و المؤمنون و من معهم فيالنار فلا يخلو شي‏ء من أحوالهم، من أنيلعنهم لاعن من هؤلاءالثاني: أن المرادبخلود اللعن خلود أثر اللعن، لأن اللعنيوجب العقاب، فعبر عن خلود أثر اللعنبخلود اللعن، و نظيره قوله تعالى: مَنْأَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُيَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَفِيهِ [طه: 100، 101] الثالث: قال ابن عباس قولهخالِدِينَ فِيها أي في جهنم فعلى هذاالكناية عن غير مذكور، و اعلم أن قولهخالِدِينَ فِيها نصب على الحال مما قبله،و هو قوله تعالى: عَلَيْهِمْ لَعْنَةَاللَّهِ.

ثم قال: لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُوَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏

معنى الانظار التأخير قال تعالى:فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280]فالمعنى أنه لا يجعل عذابهم أخف و لا يؤخرالعقاب من وقت إلى وقت و هذا تحقيق قولالمتكلمين: إن العذاب الملحق بالكافر مضرةخالصة عن شوائب المنافع دائمة غير منقطعة،نعوذ منه باللّه.

ثم قال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْبَعْدِ ذلِكَ‏

و المعنى إلا الذين تابوا منه، ثم بيّن أنالتوبة وحدها لا تكفي حتى ينضاف إليهاالعمل الصالح فقال: وَ أَصْلَحُوا أيأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات وظاهرهم مع الخلق بالعبادات، و ذلك بأنيلعنوا بأنا كنا على الباطل حتى أنه لواغتر بطريقتهم الفاسدة مغتر رجع عنها.

ثم قال: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌرَحِيمٌ‏

و فيه وجهان‏الأول: غفور لقبائحهم فيالدنيا بالستر، رحيم في الآخرةبالعفوالثاني: غفور بإزالة العقاب، رحيمبإعطاء الثواب، و نظيره قوله تعالى: قُلْلِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوايُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] و دخلت الفاء في قوله فَإِنَّ اللَّهَغَفُورٌ رَحِيمٌ لأنه الجزاء، و تقديرالكلام: إن تابوا فإن اللّه يغفر لهم.

[سورة آل‏عمران (3): آية 90]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَإِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراًلَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَهُمُ الضَّالُّونَ (90)

و في الآية مسألتان: