قوله وَ شَهِدُوا فيه قولان:الأول: أنه عطف و التقدير بعد أن آمنوا وبعد أن شهدوا أن الرسول حق، لأن عطف الفعلعلى الاسم لا يجوز فهو في الظاهر و إناقتضى عطف الفعل على الإسم لكنه في المعنىعطف الفعل على الفعلالثاني: أن الواوللحال بإضمار (قد) و التقدير: كيف يهدياللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم حال ماشهدوا أن الرسول حق.
المسألة الرابعة:
تقدير الآية: كيف يهدي اللّه قوما كفروابعد إيمانهم، و بعد الشهادة بأن الرسولحق، و قد جاءتهم البينات، فعطف الشهادةبأن الرسول حق، على الإيمان، و المعطوفمغاير للمعطوف عليه، فيلزم أن الشهادة بأنالرسول حق مغاير للإيمانو جوابه: إنمذهبنا أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والشهادة هو الإقرار باللسان، و همامتغايران فصارت هذه الآية من هذا الوجهدالة على أن الإيمان مغاير للإقرارباللسان و أنه معنى قائم بالقلب.
المسألة الخامسة:
اعلم أنه تعالى استعظم كفر القوم من حيثأنه حصل بعد خصال ثلاثأحدها: بعدالإيمانو ثانيها: بعد شهادة كون الرسولحقاًو ثالثها: بعد مجيء البينات، و إذاكان الأمر كذلك كان ذلك الكفر صلاحاً بعدالبصيرة و بعد إظهار الشهادة، فيكون الكفربعد هذه الأشياء أقبح لأن مثل هذا الكفريكون كالمعاندة و الجحود، و هذا يدل على أنزلة العالم أقبح من زلة الجاهل.أما قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يَهْدِيالْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ففيه سؤالان:
السؤال الأول:
قال في أول الآية كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُقَوْماً و قال في آخرها وَ اللَّهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و هذاتكرار.و الجواب: أن قوله كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُمختص بالمرتدين، ثم إنه تعالى عمم ذلكالحكم في المرتد و في الكافر الأصلى فقال:وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَالظَّالِمِينَ
السؤال الثاني:
لم سمي الكافر ظالماً؟.الجواب: قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَلَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] و السبب فيه أنالكافر أورد نفسه موارد البلاء و العقاببسبب ذلك الكفر، فكان ظالماً لنفسه.ثم قال تعالى: أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّعَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَخالِدِينَ فِيهاو المعنى أنه