اختلف العلماء في أن الإيمان بهؤلاءالأنبياء الذين تقدموا و نسخت شرائعهم كيفيكون؟ و حقيقة الخلاف، أن شرعه لما صارمنسوخاً، فهل تصير نبوته منسوخة؟ فمن قالإنها تصير منسوخة قال: نؤمن أنهم كانواأنبياء و رسلًا، و لا نؤمن بأنهم الآنأنبياء و رسل، و من قال إن نسخ الشريعة لايقتضي نسخ النبوّة قال:نؤمن أنهم أنبياء و رسل في الحال فتنبهلهذا الموضع.
المسألة الرابعة:
قوله لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍمِنْهُمْ فيه وجوهالأول: قال الأصم:التفرق قد يكون بتفضيل البعض على البعض، وقد يكون لأجل القول بأنهم ما كانوا علىسبيل واحد في الطاعة للّه و المراد من هذاالوجه يعني: نقر بأنهم كانوا بأسرهم علىدين واحد في الدعوة إلى اللّه و فيالانقياد لتكاليف اللّهالثاني: قالبعضهم المراد لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍمِنْهُمْ بأن نؤمن ببعض دون بعض كما تفرقتاليهود و النصارىالثالث: قال أبو مسلم لانُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أي لانفرق ما أجمعوا عليه، و هو كقوله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاًوَ لا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103] و ذم قوماًوصفهم بالتفرق فقال: لَقَدْ تَقَطَّعَبَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ماكُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام: 94].أما قوله وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَففيه وجوهالأول: إن إقرارنا بنبوّةهؤلاء الأنبياء إنما كان لأجل كوننامنقادين للّه تعالى مستسلمين لحكمه وأمره، و فيه تنبيه على أن حاله على خلافالذين خاطبهم اللّه بقوله أَ فَغَيْرَدِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُأَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ و الثاني: قال أبو مسلم وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي مستسلمونلأمر اللّه بالرضا و ترك المخالفة و تلكصفة المؤمنين باللّه و هم أهل السلم والكافرون يوصفون بالمحاربة للّه كما قال:إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَاللَّهَ وَ رَسُولَهُ [المائدة: 33] الثالث:أن قوله وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ يفيدالحصر و التقدير: له أسلمنا لا لغرض آخر منسمعة و رياء و طلب مال، و هذا تنبيه على أنحالهم بالضد من ذلك فإنهم لا يفعلون و لايقولون إلا للسمعة و الرياء و طلب الأموالو اللّه أعلم.
[سورة آلعمران (3): آية 85]
وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِدِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَفِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85)اعلم أنه تعالى لما قال في آخر الآيةالمتقدمة وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آلعمران: 84] أتبعه بأن بيّن في هذه الآية أنالدين ليس إلا الإسلام، و أن كل دين سوىالإسلام فإنه غير مقبول عند اللّه، لأنالقبول للعمل هو أن يرضى اللّه ذلك العمل،و يرضى عن فاعله و يثيبه عليه، و لذلك قالتعالى: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَالْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] ثم بيّن تعالىأن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لايكون مقبولا عند اللّه، فكذلك يكون منالخاسرين، و الخسران في الآخرة يكونبحرمان الثواب، و حصول العقاب، و يدخل فيهما يلحقه من التأسف و التحسر على ما فاتهفي الدنيا من العمل الصالح و على ما تحملهمن التعب و المشقة في الدنيا في تقريره ذلكالدين الباطل و اعلم أن ظاهر هذه الآية يدلعلى أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كانالإيمان غير الإسلام رجب أن لا يكونالإيمان مقبولًا لقوله تعالى: وَ مَنْيَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناًفَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ إلا أن ظاهر قولهتعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْلَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُواأَسْلَمْنا [الحجرات: 14] يقتضي كون الإسلاممغايراً للإيمان و وجه التوفيق بينهماأن