المسألة الثانية: اختلفوا في أن هؤلاءالحواريين من كانوا؟.
فالقول الأول:
إنه عليه السلام مرّ بهم و هم يصطادونالسمك فقال لهم «تعالوا نصطاد الناس»قالوا: من أنت؟ قال: «أنا عيسى ابن مريم،عبد اللّه و رسوله» فطلبوا منه المعجز علىما قال فلما أظهر المعجز آمنوا به، فهمالحواريون.
القول الثاني:
قالوا: سلمته أمه إلى صباغ، فكان إذا أرادأن يعلمه شيئاً كان هو أعلم به منه و أرادالصباغ أن يغيب لبعض مهماته، فقال له: ههناثياب مختلفة، و قد علمت على كل واحد علامةمعينة، فاصبغها بتلك الألوان، بحيث يتمالمقصود عند رجوعي، ثم غاب فطبخ عيسى عليهالسلام جباً واحداً، و جعل الجميع فيه وقال: «كوني بإذن اللّه كما أريد» فرجعالصباغ فأخبره بما فعل فقال: قد أفسدت عليالثياب، قال: «قم فانظر» فكان يخرج ثوباًأحمر، و ثوباً أخضر، و ثوباً أصفر كما كانيريد، إلى أن أخرج الجميع على الألوانالتي أرادها، فتعجب الحاضرون منه، و آمنوابه فهم الحواريون.
القول الثالث:
كانوا الحواريون إثنى عشر رجلًا اتبعواعيسى عليه السلام، و كانوا إذا قالوا: ياروح اللّه جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض،فيخرج لكل واحد رغيفان، و إذا عطشوا قالوايا روح اللّه: عطشنا، فيضرب بيده إلىالأرض، فيخرج الماء فيشربون، فقالوا: منأفضل منا إذا شئنا أطعمتنا، و إذا شئناسقيتنا، و قد آمنا بك فقال:«أفضل منكم من يعمل بيده، و يأكل من كسبه»فصاروا يغسلون الثياب بالكراء، فسمواحواريين.
القول الرابع:
أنهم كانوا ملوكاً قالوا و ذلك أن واحداًمن الملوك صنع طعاماً، و جمع الناس عليه، وكان عيسى عليه السلام على قصعة منها،فكانت القصعة لا تنقص، فذكروا هذه الواقعةلذلك الملك، فقال: تعرفونه، قالوا: نعم،فذهبوا بعيسى عليه السلام، قال: من أنت؟قال: أنا عيسى ابن مريم، قال فإني أتركملكي و أتبعك فتبعه ذلك الملك مع أقاربه،فأولئك هم الحواريون قال القفال: و يجوز أنيكون بعض هؤلاء الحواريين الاثني عشر منالملوك، و بعضهم من صيادي السمك، و بعضهممن القصارين، و الكل سموا بالحواريينلأنهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام، وأعوانه، و المخلصين في محبته، و طاعته، وخدمته.
المسألة الثالثة:
المراد من قوله نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِأي نحن أنصار دين اللّه و أنصار أنبيائه،لأن نصرة اللّه تعالى في الحقيقة محال،فالمراد منه ما ذكرناه.أما قوله آمَنَّا بِاللَّهِفهذا يجري مجرى ذكر العلة، والمعنى يجبعلينا أن نكون من أنصار اللّه، لأجل أناآمنا باللّه، فإن الإيمان باللّه يوجبنصرة دين اللّه، و الذب عن أوليائه، والمحاربة مع أعدائه.ثم قالوا: وَ اشْهَدْ بِأَنَّامُسْلِمُونَو ذلك لأن إشهادهم عيسى عليه السلام علىأنفسهم، إشهاد للّه تعالى أيضاً، ثم فيهقولانالأول: المراد و اشهد أنا منقادونلما تريده منا في نصرتك، و الذب عنك،مستسلمون لأمر اللّه تعالى فيهالثاني:أن ذلك إقرار منهم بأن دينهم الإسلام، وأنه دين كل الأنبياء صلوات اللّه عليهم.و اعلم أنهم لما أشهدوا عيسى عليه السلامعلى إيمانهم، و على إسلامهم تضرعوا إلىاللّه تعالى، و قالوا: