قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ إِنْطائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَاقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمافَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَىالْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِيحَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ[الحجرات: 9] قدم الإصلاح على القتال، و هذايقتضي أن يبدأ في الأمر بالمعروف و النهيعن المنكر بالأرفق مترقياً إلى الأغلظفالأغلظ، و كذا قوله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34] يدل على ماذكرناه، ثم إذا لم يتم الأمر بالتغليظ والتشديد وجب عليه القهر باليد، فإن عجزفباللسان، فإن عجز فبالقلب، و أحوال الناسمختلفة في هذا الباب.ثم قال تعالى: وَ لا تَكُونُواكَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوامِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ.و في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
في النظم وجهانالأول: أنه تعالى ذكر فيالآيات المتقدمة أنه بيّن في التوراة والإنجيل ما يدل على صحة دين الإسلام و صحةنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم ذكرأن أهل الكتاب حسدوا محمداً صلّى اللهعليه وسلّم و احتالوا في إلقاء الشكوك والشبهات في تلك النصوص الظاهرة، ثم إنهتعالى أمر المؤمنين بالإيمان باللّه والدعوة إلى اللّه، ثم ختم ذلك بأن حذرالمؤمنين من مثل فعل أهل الكتاب، و هوإلقاء الشبهات في هذه النصوص و استخراجالتأويلات الفاسدة الرافعة لدلالة هذهالنصوص فقال: وَ لا تَكُونُوا أيهاالمؤمنون عند سماع هذه البيناتكَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوامن أهل الكتاب مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ فيالتوراة و الإنجيل تلك النصوص الظاهرة،فعلى هذا الوجه تكون الآية من تتمة جملةالآيات المتقدمةو الثاني: و هو أنه تعالىلما أمر بالأمر بالمعروف و النهي عنالمنكر، و ذلك مما لا يتم إلا إذا كانالآمر بالمعروف قادراً على تنفيذ هذاالتكليف على الظلمة و المتغالين، و لاتحصل هذه القدرة إلا إذا حصلت الإلفة والمحبة بين أهل الحق و الدين، لا جرم حذرهمتعالى من الفرقة و الاختلاف لكي لا يصيرذلك سببا لعجزهم عن القيام بهذا التكليف،و على هذا الوجه تكون هذه الآية من تتمةالآية السابقة فقط.
المسألة الثانية:
قوله تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا فيهوجوهالأول: تفرقوا و اختلفوا بسبب اتباعالهوى و طاعة النفس و الحسد، كما أن إبليسترك نص اللّه تعالى بسبب حسدهلآدمالثاني: تفرقوا حتى صار كل فريق منهميصدق من الأنبياء بعضا دون بعض، فصاروابذلك إلى العداوة و الفرقةالثالث: صاروامثل مبتدعة هذه الأمة، مثل المشبهة والقدرية و الحشوية.
المسألة الثالثة:
قال بعضهم تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوامعناهما واحد و ذكرهما للتأكيد و قيل: بلمعناهما مختلف، ثم اختلفوا فقيل: تفرقوابالعداوة و اختلفوا في الدين، و قيل:تفرقوا بسبب استخراج التأويلات الفاسدةمن تلك النصوص، ثم اختلفوا بأن حاول كلواحد منهم نصرة قوله و مذهبهو الثالث:تفرقوا بأبدانهم