قوله إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ فيهوجوهالأول: قال الفرّاء: التقدير إلا أنيعتصموا بحبل من اللّه، و أنشد على ذلك:
رأتني بحبلها فصدت مخافة و في الحبلروعاء الفؤاد فروق
و في الحبلروعاء الفؤاد فروق و في الحبلروعاء الفؤاد فروق
و اعترضوا عليه، فقالوا: لا يجوز حذفالموصول و إبقاء صلته، لأن الموصول هوالأصل و الصلة فرع فيجوز حذف الفرع لدلالةالأصل عليه، أما حذف الأصل و إبقاء الفرعفهو غير جائزالثاني: أن هذا الاستثناءواقع على طريق المعنى، لأن معنى ضرب الذلةلزومها إياهم على أشد الوجوه بحيث لاتفارقهم و لا تنفك عنهم، فكأنه قيل: لاتنفك عنهم الذلة، و لن يتخلصوا إلا بحبل مناللّه و حبل من الناسالثالث: أن تكونالباء بمعنى (مع) كقولهم: اخرج بنا نفعلكذا، أي معنا، و التقدير: إلا مع حبل مناللّه.
المسألة الرابعة:
المراد من حبل اللّه عهده، و قد ذكرنافيما تقدم أن العهد إنما سمي بالحبل لأنالإنسان لما كان قبل العهد خائفاً، صارذلك الخوف مانعاً له من الوصول إلىمطلوبه، فإذا حصل العهد توصل بذلك العهدإلى الوصول إلى مطلوبه، فصار ذلك شبيهاًبالحبل الذي من تمسك به تخلص من خوف الضرر.فإن قيل: إنه عطف على حبل اللّه حبلًا منالناس و ذلك يقتضي المغايرة فكيف هذهالمغايرة؟ قلنا: قال بعضهم: حبل اللّه هوالإسلام، و حبل الناس هو العهد و الذمة، وهذا بعيد لأنه لو كان المراد ذلك لقال: أوحبل من الناس، و قال آخرون: المراد بكلامالحبلين العهد و الذمة و الأمان، و إنماذكر تعالى الحبلين لأن الأمان المأخوذ منالمؤمنين هو الأمان المأخوذ بإذن اللّه وهذا عندي أيضا ضعيف، و الذي عندي فيه أنالأمان الحاصل للذمي قسمانأحدهما: الذينص اللّه عليه و هو أخد الجزيةو الثاني:الذي فوض إلى رأي الإمام فيزيد فيه تارة وينقص بحسب الاجتهادفالأول: هو المسمى بحبلاللّهو الثاني: هو المسمى بحبل المؤمنينو اللّه أعلم.ثم قال: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِو قد ذكرنا أن معناه: أنهم مكثوا، و لبثواو داموا في غضب اللّه، و أصل ذلك مأخوذ منالبوء و هو المكان، و منه: تبوأ فلان منزلكذا و بوأته إياه، و المعنى أنهم مكثوا فيغضب من اللّه و حلوا فيه، و سواء قولك: حلبهم الغضب و حلوا به.ثم قال: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُالْمَسْكَنَةُو الأكثرون حملوا المسكنة على الجزية و هوقول الحسن قال و ذلك